الأحد، نوفمبر ٣٠، ٢٠٠٨

عقيدة -44 الإيمان باليوم الآخر

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين

الإيمان باليوم الآخر

ونؤمن باليوم الآخر وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده، حين يبعث الناس أحياء للبقاء إمّا في دار النعيم وإمّا في دار العذاب الأليم.

اليوم الآخر: هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب و الجزاء، و سمي باليوم الآخر لأنه لا يوم بعده، حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم و أهل النار في منازلهم.

والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:

الأول: الإيمان بالبعث و هو إحياء الموتى... و هو موضوع هذا الدرس.

الثاني: الإيمان بالحساب و الجزاء، فيحاسب العبد على عمله و يجازى عليه... كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.

الثالث: الإيمان بالجنة و النار و أنهما المآل الأبدي للخلق... كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.

الــبــعــث

فنؤمن بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (الزمر:68). فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، حفاة بلا نعال، عراة بلا ثياب، غرلاً بلا ختان (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء: الآية104).

البعث لغة: الإثارة والتحريك، و اصطلاحا: إخراج الموتى من قبورهم أحياء يوم القيامة؛ لفصل القضاء بينهم، فمن يعمل مثقال ذرَّة خيرًا يره، و مَن يعمل مثقال ذرَّةٍ شرًّا يره.

و يجب الإيمان بالبعث على الصفة التي بيَّنها الله في كتابه، وهو أنه جمعُ ما تحلَّل من أجزاء الأجساد التي كانت في الدنيا، و إنشاؤها خلقًا جديدًا، و إعادةُ الحياة إليها.

و البعث حق ثابت دل عليه الكتاب و السنة و إجماع المسلمين:

قال الله تعالى: (ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون)، و قال النبي صلى الله عليه وسلم (يحشر الناس يوم القيامة حفاة غرلا) متفق عليه، و أجمع المسلمون على ثبوته على مرّ العصور.

و قد ورد في الكتاب و السنة الصحيحة ما يكمل الصورة و الحدث الرهيب ... و ذلك أن الله عز وجل إذا أذن بانقضاء هذه الدنيا؛ أمر إسرافيل عليه السلام أن ينفخ في الصور النفخة الأولى، فيَصْعَقُ كل من في السموات و من في الأرض إلا مَن شاء الله، و تصبح الأرض صعيدًا جُرُزًا، و الجبال كثيبًا مهيلاً، و يحدث كل ما أخبر الله به في كتابه، لا سيما في سورتي التكوير و الانفطار، و هذا هو آخر أيام الدنيا.

ثم يأمر الله السماء، فتمطر مطرًا ينبت منه الناس في قبورهم من عَجْبِ أذنابهم، وكل ابن آدم يبلى إلاَّ عجب الذنب (هو العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، و هو رأس العصعص).

حتى إذا تمَّ خلقُهُم وتركيبُهم؛ أمر الله إسرافيل بأن ينفخ في الصور النفخة الثانية (و ما بين النفختين أربعون)، فيقوم الناس من الأجداث أحياء، فيقول الكفّار والمنافقون حينئذ: (يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا)؟، و يقول المؤمنون: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).

ثم تحشرهم الملائكة إلى الموقف حفاةً غير مُنْتَعلين، عُراةً غير مكتسين، غُرلاً غير مختتنين...

س: ما فائدة البعث بعد الموت؟

ج: إن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت، و لولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً لا قيمة له، و لا حكمة منه، و لم يكن بين الإنسان و بين البهائم فرق في هذه الحياة. قال الله تعالى: )أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) )سورة المؤمنون، الآيتين: 155-116)، و قال الله تعالى: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى)
(سورة طه، الآية: 15)، و قال تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين * إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (سورة النحل، الآيات : 38-40).

==فصل==

و قد أنكر الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك غير ممكن... و لقد قال الملحدون الجدد مثل قولهم، و هذا الزعم باطل دلّ على بطلانه الشرع و الحس و العقل.

أما دلالة الشرع على إمكان البعث فقد قال الله تعالى: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) و قد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه.

وأما دلالة الحس على إمكان البعث فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، و في سورة البقرة خمسة أمثلة على ذلك و هي:

المثال الأول: قوم موسى حين قالوا له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطباً بني إسرائيل: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون).

المثال الثاني: في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ليخبرهم بمن قتله، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون).

المثال الثالث: في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم فراراً من الموت وهم ألوف فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون).

المثال الرابع: في قصة الذي مر على قرية ميتة فاستبعد أن يحييها الله تعالى فأماته الله تعالى مائة سنة ثم أحياه وفي ذلك يقول الله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير).

المثال الخامس: في قصة إبراهيم الخليل حين سأل الله تعالى أن يريه كيف يحي الموتى فأمره الله تعالى أن يذبح أربعة من الطير و يفرقهن أجزاء على الجبال التي حوله ثم يناديهن فتلتئم الأجزاء بعضها إلى بعض و يأتين إلى إبراهيم سعياً و في ذلك يقول الله تعالى: (وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم).

فهذه أمثلة حسية واقعة تدل على إمكان إحياء الموتى. وقد سبق الإشارة إلى ما جعله الله تعالى من آيات عيسى بن مريم في إحياء الموتى و إخراجهم من قبورهم بإذن الله تعالى.

وأما دلالة العقل على إمكان البعث فمن وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى فاطر السماوات والأرض و ما فيهما خالقهما ابتداء (كما أثبتنا عقليا في دروس الإيمان بالله تعالى)، و القادر على ابتداء الخلق لا يعجزه عن إعادته، قال الله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) وقال تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) و قال آمراً بالرد على من أنكر إحياء العظام و هي رميم: (قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم).

الثاني: أن الأرض تكون ميتة هامدة ليس فيها شجرة خضراء فينزل عليها المطر فتهتز خضراء حية فيها من كل زوج بهيج، و القادر على إحيائها بعد موتها قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير) و قال تعالى: (ونزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج).

*****

و الله أعلم.

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك.

يتبع إن شاء الله الدرس القادم تفصيل الإيمان باليوم الآخر.

كتب : محمد عبد المنعم

الجمعة، نوفمبر ٢٨، ٢٠٠٨

مفهوم الموافقة ؛؛؛

بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ؛ انه من يهده الله فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ...أما بعد ؛؛؛
نستكمل بمشيئة الله اليوم الحديث عن دلالة الألفاظ على الأحكام ؛
ودرسنا اليوم عن ( المفهـــــــــــــــوم ) :

والمفهوم في اللغة : اسم لكل مافهم من نطق أو غيره ؛ وهو المفهوم المجرد الذي يستند الى النطق ؛ لكن فهم من غير تصريح بالتعبير عنه .

واصطلاحا : مافهم من اللفظ في غير محل النطق .

بأن كان ذلك في محل المسكوت عنه بأن يكون حكما لغير المذكور وحالا من أحواله .

مثال المفهوم : قوله تعالى : ( ولا تقل لهما اف ) .

فان مادلت عليه الآية في محل النطق هو تحريم النطق ؛ أما ما دلت عليه الآية من الفهم : تحريم الضرب .

ومثال للمفهوم في كلام الناس : أن يقول أحدهم لآخر في محل الخصومة : أنا لست بغبي .

فقد أفاد هذا الكلام بمنطوقه أن المتكلم ليس متصفا بالغباء . ولكنه أفاد بمفهومه : أن المخاطب - بفتح الطاء - متهم بالغباء من قبل المتحدث .

أقسام المفهوم :

ينقسم المفهوم الى قسمين : مفهوم موافقة ؛ ومفهوم مخالفة .

فان كان المفهوم موافق للمنطوق في الاثبات والنفي كان مفهوم موافقة ؛ وان كان غير موافق له في الاثبات والنفي كان مفهوم مخالفة .

أولا : مفهوم الموافقة :

وهو أن يكون المسكوت عنه موافقا في الحكم للمذكور وهو المسمى بمحل النطق .

مثاله : تحريم الضرب من قوله تعالى ( ولا تقل لهما أف ) كما سبق .

دلالة مفهوم الموافقة قد تكون قطعية وقد تكون ظنية :

والدلالة القطعية : هي الدلالة التي لاتحتمل الا المراد ولا تقبل التأويل .

الدلالة الظنية : وهي التي تحتمل المراد وغيره وتقبل التأويل .

دلالة مفهوم الموافقة قد تكون قطعية : فيما اذا كان التعليل بالمعنى ونحوه أشد مناسبة للفرع قطعيا .
وذلك في قوله تعالى مثلا : ( ولا تقل لهما أف ) .
فهاهنا القطع بأن المعنى المناسب للتحريم هو الايذاء ونقطع كذلك أن هذا الايذاء موجود بصورة أشد في الشتم أو الضرب .
دلالة مفهوم الموافقة قد تكون ظنية : فيما اذا لم نقطع بالمعنى المناسب ووجوده في المسكوت عنه .
كما في قول الشافعي - رحمه الله - : اذا كان القتل الخطأ يوجب الكفارة فالعمد أولى ؛ واذا كان اليمين غير الغموس يوجب الكفارة فالغموس أولى .
فلو كان الهدف للكفارة الزجر قطعا لأمكن أن تكون الدلالة قطعية ؛ ولكن يجوز أن يكون المعنى المناسب هنا : التدارك وتلافي المضرة التي حدثت أي جبر الخطأ والقتل ؛ ولكن لا يلزم من أن الكفارة تجبر الأقل أن تجبر الأعظم .
حجية مفهوم الموافقة :
ذهب جمهور الأصوليين الى أن مفهوم الموافقة حجة لتبادر فهم العقلاء اليه ؛ فقد اتفق الكل على صحة الاحتجاج به سوى الظاهرية .
وذهب الظاهرية : الى انكار القول بمفوم الخطاب على الاطلاق لزعمهم تطرق الاحتمال اليه من وجهة نظرهم ؛ ومعلوم : أن الدليل اذا تطرق اليه الاحتمال سقط الاستدلال به .
ولكن يرد عليهم : أن مفهوم الموافقة نوع من الخطاب وهو من باب السمع ؛ فرده نوع من المكابرة .
في الدرس القادم - بمشيئة الله - سنتحدث عن مفهوم المخالفة .
أسأل المولى - عز وجل - أن يعلمنا ماينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ؛ انه ولي ذلك والقادر عليه ؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

الأربعاء، نوفمبر ٢٦، ٢٠٠٨

الصلاة - 25

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

سؤال اليوم: رتب موقف ما يلي من الإمام :
أ) الصبي , المراة, الرجل
ب)رجلان مع الإمام
ج) رجل وصبي

حكم صلاة الجماعة

عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم : (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) رواه مسلم.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني:

الجماعة واجبة على الرجال المكلفين لكل صلاة مكتوبة، روي نحو ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى وبه قال عطاء والاوزاعي وأبو ثور،

وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي لا تجب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " متفق عليه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على اللذين قالا قد صلينا في رحالنا ولو كانت واجبة لانكر عليهما، ولانها لو كانت واجبة لكانت شرطا لها كالجمعة

ولنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية ولو لم تكن واجبة لرخص فيها حالة الخوف ولم يجز الاخلال بواجبات الصلاة من أجلها وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ليحطب , ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه، وفيه ما يدل على انه أراد الجماعة لانه لو أراد الجمعة لما هم بالتخلف عنها، وعن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال " أتسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم قال " فأجب " رواه مسلم.
وإذا لم يرخص للاعمى الذي لا قائد له فغيره أولى.

قال ابن المنذر وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن أم مكتوم " لا أجد لك رخصة " يعني في التخلف عن الجماعة.

وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فان الذئب يأكل القاصية " وفي حديث مالك ابن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما " ولمسلم " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم " أمر وظاهر الامر الوجوب. انتهى كلام الإمام ابن قدامة رحمه الله.


صلاة أهل الأعذار

والأعذار هنا هي : 1- المرض 2- السفر 3- الخوف
ويذكرون ضمن هذا الباب ما يتعلق بكيفية صلاة المريض وصلاة المسافر وصلاة الخوف والجمع أيضا؛ لأن الصلوات هذه صلاة المعذورين.

الأعذار المرادة بهذا العنوان -باب صلاة أهل الأعذار- المرض والسفر والخوف،تختلف بسببها الصلاة المفروضة إما بالعدد بالقصر, أو بالهيئة بدل القيام تكون قعودا أو على كيفية أوهيئة مختلفة تماما في صلاة الخوف.

والأصل في هذا الباب هو قوله تعالى :

1- آية التيسير ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ﴾[البقرة: 185]

2- ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾[الحج: 78].

3- والقاعدة المعروفة المشهورة الكلية "المشقة تجلب التيسير".

أولا: صلاة المريض


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- (والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسا فإن لم يطق فعلى جنبه لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطيع فعلى جنب) فإن شق عليه فعلى ظهره وإن عجزعن الركوع والسجود أومأ بهما وعليه قضاء ما فات من الصلوات في إغمائه ).

والتخفيف عن المريض بسبب المرض من جهتين:

الجهة الأولى: في عذره عن التخلف عن صلاة الجماعة في المسجد،

قال ابن المنذر -رحمه الله تعالى- "لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض"

الجهة الثانية: أنه معذور في سقوط بعض الأركان عنه إذا كان لا يقدر عليها -بسبب مرضه- من قيام قعود وركوع وسجود بل يصلى على حسب استطاعته وقدرته وعلى حسب ما يناله من المشقة.

ومن فضل الله -تبارك وتعالى- ورحمته وإحسانه أنه في الحالتين لا ينقص من أجره شيء.

قال النووي -رحمه الله تعالى- أجمعت الأمة: أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه ولا ينقص من ثوابه .

عن أبي موسى -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيم).


كيفية صلاة المريض

أولا: القيام

كيفية صلاة المريض: المؤلف قال: (والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسا فإن لم يطق فعلى جنبه.. إلى آخره)

- إذا كان المريض يستطيع الصلاة قائما؛ بناءً على هذه الكلام وبناء على الحديث حديث عمران بن حصين الذي ذكره المؤلف إذا كان يستطيع الصلاة قائما فيجب عليه أن يصلي قائماً.

- وإن لم يستطع أن يصلي قائما أو كان القيام يشق عليه مشقة شديدة أو كان القيام يزيد من مرضه كما قال المؤلف (يزيد في مرضه فحينئذ يصلى جالس).

- فإن كان لا يستطيع الصلاة جالساً أو كان الجلوس يشق عليه مشقة شديدة أو كان يزيد في مرضه فيصلى على جنبه.

- إن كان لا يستطيع على جنبه فعلى ظهره.

ما هو الدليل؟

الدليل كما ذكر المؤلف:

حديث عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه- (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) [رواه البخاري], وفي رواية عند النسائي وهي صحيحة (فإن لم تستطع فمستلقيا).

ويدل علىه أيضا قول الله تبارك وتعالى ﴿ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾[التغابن: 16]

وكذلك قوله ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾[البقرة: 286].

وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم).

الأدلة بمجموعها تدل على أن المريض يصلي على حسب قدرته واستطاعته وهو أدرى بنفسه، يعني إذا أحس من نفسه القوة والقدرة والنشاط على الصلاة قائماً فيجب عليه أن يصلى قائما وإذا أحس بالعجز وعدم القدرة أوبالمشقة الشديدة التي تذهب الخشوع لو قام فيصلي جالساً.

ضابط هام : معيار المشقة:

بحث الفقهاء -رحمهم الله تعالى- قدر المشقة أو قدر الاستطاعة الواردة في الحديث (فإن لم تستطع),

يعني متى نحكم على هذه الشخص أنه غير مستطيع بحيث ننقله من القيام إلى الجلوس أو من الجلوس إلى الصلاة على جنبه أو على ظهره؟

قالوا: المراد بعدم الاستطاعة على القيام إما عدم القدرة نهائيا حساً -لا يستطيع حساً أن يقوم- أو حصول المشقة الشديدة وضابط المشقة المبيحة للجلوس ما زال بسببه الخشوع فإذا كان إذا تكلف وقام أحس بتعب شديد ومشقة تقلقه -بحيث لا يطمئن في صلاته ولا يخشع فيها- فله الجلوس، وينطبق هذا الكلام على الانتقال من الجلوس إلى الصلاة على الجنب.

كيفية الجلوس هل يجلس متربعا أو مفترشا ؟

وما الفرق بين التربع والافتراش؟

هو ان الافتراش كهيئة الجلوس للتشهد أو الجلسة بين السجدتين , والتربع معروف

والأفضل أن يجلس متربعاً حال القيام , يعني عند قيامه المفترض أن يكون قائما ولم يستطع القيام وجلس لقراءة الفاتحة وقراءة السورة يجلس متربعاً والجلوس للتشهد وبين السجدتين مفترشا

هذا إذا كان يستطيع الانتقال من حال التربع إلى حال الافتراش دون مشقة أما إذا كان يشق عليه الأمر ويجد المشقة في الانتقال من وضع لآخر فيختا رالأيسر له.

والدليل حديث عائشة قولها: (رأيت رسول الله يصلى متربعا ).

أو يجلس على حسب ما يستطيع

ثانيا: الجلوس والاستلقاء:

فإذا شق عليه الجلوس

فيستلقي على جنبه فإن شق عليه استلقى على الظهر ورجلاه إلى القبلة.


كيف يؤدى الركوع والسجود ؟

قالوا: يومئ بالركوع والسجود ويكون سجوده أخفض من ركوعه،

افرض أنه لا يستطع الركوع ويستطيع السجود , يستطيع القيام ولا يستطيع الركوع .

فماذا يعمل يقف ؟ أم يصلي جالس؟

هو يستطيع القيام , ولكن أُجريت له عملية في ظهره فلا يستطيع أن يركع هذا نقول له: صلّ قائما واركع وأنت قائم بالإيماء برأسه ثم يسجد ويكمل، طبعا سيجلس والذي لا يستطيع الركوع-غالباً- لا يستطيع السجود فهذا أيضا يومئ بالركوع والسجود.

- إذا عجز عن الإيماء برأسه والإيماء في الرأس , فإذا كان يستطيع أن يخفض جسمه بالنسبة للركوع ويستطيع أن يخفض ظهره أيضا وبدنه في حال السجود بدرجة أكثر من الركوع فهذا واجب عليه,

- إذا عجز عن الإيماء برأسه وبحسمه أيضا ؟ فهل يومئ بعينه أو لا ؟ هذه محل خلاف بين الفقهاء

فالمذهب عند الحنابلة أنه يومئ بطرفه وكذلك الشافعية أنه إذا عجز عن الإيماء برأسه يومئ بطرفه وقالوا يغمض عينه للركوع إغماضا خفيفا وللسجود يطبق عينيه. هذا الإيماء بالطرف.

وقال الأحناف وهو رواية في مذهب الإمام أحمد - وهو الأرجح إن شاء الله - أنه إذا عجز عن الإيماء برأسه سقطت عنه الأفعال وبقيت النية والأقوال.

فينوي أنه يصلي بقلبه , ثم يقول الله أكبر ويستفتح ويقرأ ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وما يتيسر من القرآن ثم ينوي الركوع ويقول الله أكبر سبحان ربي العظيم وهكذا.


إن عجز عن الأقوال والأفعال -فلا يستطيع النطق ولا يستطيع الحركة- عافانا الله وإياكم - وهذا موجود في حالات كثيرة ونشاهدها في المستشفيات -ولا سيما في قسم الحوادث وما أشبهها- نجد حالات لا يستطيع الإنسان الحركة وربما لا يستطيع النطق ورأسه وعقله ثابت وموجود، في هذه الحالة يصلى بالنية –بقلبه- ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا.

بعض الناس -لا بعض العلماء- يقولون: يصلي بالإصبع إن كان لا يستطيع الإيماء , يقول الله أكبر عند الركوع يخفض الإصبع قليلا وفي حال السجود يخفض أكثر , هذا لم يرد عند أهل العلم وليس له أصل البتة.

- إذا ابتدأ جالسا وأحس بالنشاط والقدرة فعليه القيام وهكذا في كل ما يستدعي الانتقال من حال إلى حال سواءً من الحال الأحسن إلى الحال الأضعف أو العكس.

الصلاة في الطائرة :

- إذا كانت الرحلة قصيرة وتستطيع أن تَصل إلى المكان الذي تريد الذهاب إليها في وقت الصلاة فلا تصل في الطائرة بل انتظر حتى تصل وتؤدي الصلاة كاملة.

- إذا كانت الصلاة تجمع مع الصلاة الثانية الظهر مع العصر أوالمغرب مع العشاء فانتظر أيضا واجمع وصلً الصلاتين مطمئنتين وائت بهما.

- إذا كان في الطائرة مكان مخصص للصلاة وتستطيع أن تصلي الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها فعليك ذلك.

- إذا لم يتمكن من هذا لا ولا ذاك و تخشى خروج الوقت, والصلاة ما تجمع ولابد أن تصلي في الطائرة وإلا خرج الوقت فصل قائما إذا كان لا يؤثر عليك القيام وأومئ بالركوع والسجود واحرص على أن تتجه إلى القبلة بقدر المستطاع.

وهذا الحكم يسري على الصلاة في الطائرة وفي السفينة وفي السيارة وعلى الدابة وما أشبه ذلك إذا لم يمكن الإتيان بالصلاة بأركانها كاملة.

والحمد لله رب العالمين

الأحد، نوفمبر ٢٣، ٢٠٠٨

عقيدة -43 خاتمة دروس الإيمان بالرسل

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين

خاتمة دروس الإيمان بالرسل

حول آثار عقيدة الإيمان بالرسل و ثمراتها

إن إبراز (آثار العقيدة و ثمراتها) خاصية عظيمة ينبغي الاعتناء بها؛ فالعقيدة ليست متناً يُحفـظ أو يُستشرَح فحسب، ثم تبقى معرفة ذهنية لا أثر لها في حياة الفرد و الأمة! كلا، فكل مسألة من مسائل الاعتقاد لا بد و أن يتبعها ذكر ثمارها...

للإيمان بالرسل ثمرات جليلة منها:

الأولى: العلم برحمة الله تعالى و عنايته بعباده حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى و يبينوا لهم كيف يعبدون الله، لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك.

الثانية: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.

الثالثة: محبة الرسل عليه الصلاة والسلام و تعظيمهم و الثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى و لأنهم قاموا بعبادته و تبليغ رسالته و النصح لعباده.

== فصل ==

ورثة الأنبياء الرسل

جعل الله الآصرة التي يتجمع عليها البشر هي الآصرة المستمدة من النفخة الإلهية الكريمة. جعلها آصرة العقيدة في الله.. فعقيدة المؤمن هي وطنه، و هي قومه، و هي أهله.. و من ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ و مرعى و قطيع و سياج !..

و المؤمن ذو نسب عريق، ضارب في شعاب الزمان. إنه واحد من ذلك الموكب الكريم، الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم: نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق، و يعقوب و يوسف، و موسى و عيسى، و محمد.. عليهم الصلاة والسلام.. و إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاتقون..

هذا الموكب الكريم، الممتد في شعاب الزمان من قديم، يواجه مواقف متشابهة، و أزمات متشابهة، و تجارب متشابهة على تطاول العصور و كر الدهور، و تغير المكان، و تعدد الأقوام. يواجه الضلال و العمى و الطغيان و الهوى، و الاضطهاد و البغي، و التهديد و التشريد. و لكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو، مطمئن الضمير، واثقا من نصر الله، متعلقا بالرجاء فيه، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد: و قال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا. فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم. ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد.. موقف واحد و تجربة واحدة. و تهديد واحد. و يقين واحد. و وعد واحد للموكب الكريم.. و عاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف. و هم يتلقون الاضطهاد و التهديد و الوعيد..

و ورثة الرسل يرثون علمهم و منهاجَهم، لأنه لا بد للدين الذي كتب له البقاء من حَمَلَة يحملونه و يبلغونه للناس، فكان هؤلاء الورثةُ و الحملة هم العلماء و الدعاة إلى الله – عز وجل - ؛ إذ لا تتم وراثة الرسل -الذين لم يُورِّثوا درهماً ولا ديناراً- بالانتساب الطيني، و إنما بتحصيل العلم الذي جاؤوا به من لدن حكيم خبير، والعمل به ظاهراً وباطناً، والدعوة إليه بالحكمة و الموعظة الحسنة، و المجادلة بالتي هي أحسن.

*****

و الله أعلم

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك.

يتبع إن شاء الله الدرس القادم الإيمان باليوم الآخر.

الجمعة، نوفمبر ٢١، ٢٠٠٨

أصول فقه ؛ تقسيم اللفظ المنطوق الى واحد ومتعدد .

بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ؛ انه من يهده الله فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ...أما بعد ؛؛؛
نستكمل بمشيئة الله اليوم الحديث عن دلالة الألفاظ على الأحكام ؛
ودرسنا اليوم عن ( تقسيم اللفظ المنطوق الى واحد ومتعدد )
أولا : المنطوق الواحد :
وهو اللفظ الذي لم يستعمل الا في معنى واحد سواء كان ذلك الاستعمال في اللغة أو الشرع أو العرف .
حكمه : هذا اللفظ يحمل على معناه المستعمل مالم توجد قرينة تصرفه عن ذلك المعنى الواحد الى معنى آخر ولا خلاف بين العلماء في ذلك .
وذلك لأن الحقيقة يجب العمل بها عند استعمال اللفظ في حقيقته من غير بحث عن المجاز .
مثال المنطوق الواحد : الأسد .
فانه واضح واستعمل حقيقة في الحيوان المفترس المعروف ؛ فاذا أطلق حمل عليه عند جميع العلماء سواء في ذلك علماء اللغة أو علماء الشرع أو حتى في عرف الناس .
فان وجدت قرينة صارفة تصرفه عن معناه الحقيقي الى المعنى المجازي كمما لو قلت : رأيت أسدا يقود الجيش . فقولك : يقود الجيش ؛ قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي الى معنى آخر وهو : انسان شجاع مثلا .
ثانيا : المنطوق المتعدد :
وهو اللفظ الذي استعمل لأكثر من معنى بأن يكون له معنى في اللغة ومعنى في الشرع ومعنى في العرف واستعمل في كل هذه المعاني وشاع استعماله فيها .
مثال ذلك : لفظ الصلاة .
فهي في أصل اللغة اشتهرت بمعنى : الدعاء .
ثم استعملت في الشرع بمعنى : أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم - هذا تعريف الشافعية-.
فلفظ الصلاة له أكثر من استعمال فهو يستعمل في اللغة ويراد به معنى شرعي أو يراد به آخر .
وكذلك لفظ الدابة : وضعت في اللغة لكل مايدب على الأرض من انسان أو حيوان ولكنها في بعض البلدان تطلق على الفرس وفي بعضها الآخر تطلق على الحمار .
حكم المنطوق المتعدد :
اختلف الأصوليون فيما يحمل عليه اللفظ من المعاني .
فذهب الجمهور : الى أنه يجب الحمل على المعنى الشرعي ثم العرفي ثم اللغوي ؛ مستدلين على ذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعث لبيان الشرعيات لا بيان المعنى اللغوي وبأن الشرع طاريء على اللغة وناسخ لها فالحمل على الناسخ المتأخر أولى .
فان تعذر الحمل على أحد هذه الحقائق حمل على المجاز سواء كان ذلك في جانب الاثبات أو في جانب النفي .
مثال ماحمل على الشرعي : لفظ الزكاة الوارد في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : في الغنم السائمة زكاة .
فانها وردت بمعنيين معنى لغوى ومعنى شرعي .
المعنى اللغوي وهو : النماء والزيادة .
والمعنى الشرعي وهو اخراج مال مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابا لمستحقيه ان تم الملك .
فيحمل على الزكاة الشرعية دون اللغوية .
مثال ماحمل على العرفي :
اذا حلف انسان لا يركب دابة فان لفظ الدابة وضع لأكثر من معنى لغوي - كما ذكرت سابقا -
فان الحالف يحنث بيمينه اذا ركب ما اشتهر في عرف الاستعمال في بلده اطلاق لفظ الدابة عليه ولا يلتفت الى الحقيقة اللغوية .
مثال ماحمل على المعنى اللغوي :
ماروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلى على قتلى أحد سنة تسع .
فالمعنى الشرعي للصلاة هنا غير مراد لأن الشهيد لا يصلى عليه ؛ فيجب حمل الكلام على المعنى اللغوي وهو الدعاء.
وذهب الرازي والاسنوي الى أن اللفظ يحمل على الحقيقة الشرعية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الشرعيات ؛ فان لم يكن له حقيقة شرعية حمل على الحقيقة العرفية الموجودة في عهده - صلى الله عليه وسلم - لأنه المتبادر الى الفهم ؛ فان تعذر ذلك حمل على الحقيقة اللغوية ؛ واذا تساوت الاحتمالات يكون مشتركا لا يترجح الا بقرينة .
والفرق بين المذهب الأول والثاني : أن الثاني اشترط كثرة استعمال اللفظ وعند تساوي استعمالاته يكون مشتركا .
وذهب الغزالي : الى أنه في جانب الاثبات يحمل على المعنى الشرعي وما ورد في النهي يكون مجملا - أي ننتظر فيه بيان من الشارع .
مثال الاثبات : ماروي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة رضي الله عنها وسألها عن طعام فقالت : لا ؛ فقال : اني اذا أصوم .
فانه ان حمل على المعنى الشرعي دل على صحة الصوم بنية جزء من النهار لا من أول النهار ؛
ولا يحمل الصيام هنا على المعنى اللغوي و هو الامساك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث لبيان الشرعيات .
مثال النهي : نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصوم يوم الفطر ويوم الأضحى .
فانه لايحمل على المعنى الشرعي لأن المانع قد وجد وهو ان حمل اللفظ على المعنى الشرعي يقتضي : أنه لو صام لصح صومه- ومعنى الصحةهنا : ليس ترتب الثواب عليها بل معناها : أنه لايجب عليه اعادة هذا اليوم في يوم آخر لأنه فاسد - ومتى كان الشيء صحيحا لم يصح النهي عنه فلذلك لم يحمل على المعنى الشرعي .
وله أدلة على مذهبه هذا واعتراضات عليها - نحن في غنى عنها هنا وانما أردت أن أذكر الخلاف بشكل اجمالي -
درسنا القادم باذن الله عن المفهوم من اللفظ .
أسأل المولى عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا ؛ وأن ينفعنا بما علمنا ؛ انه ولي ذلك والقادر عليه ؛
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

الأربعاء، نوفمبر ١٩، ٢٠٠٨

الصلاة - 24

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه

سؤال اليوم:-
أ جب بنعم أو لا :
1- تصح الصلاة خلف المجنون.
2- المرأة لا تصح لها أن تؤم الرجال.
3- يجوز لمن به سلس بول أن يؤم الأصحاء.


تابع - باب الإمامة

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- (ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم والمفترض بالمتنفل وإذا كان المأموم واحدا وقف عن يمين الإمام فإن وقف عن يساره أو فذا وحده لم تصح صلاته إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه وإن كانوا جماعة وقفواى خلفه فإن وقفوا عن يمينيه أو عن جانبيه صح وإن وقفوا قدامه أو عن يساره لم يصح)

قال (ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم ) لأنه ربما يعتقد بعض الناس أن المتيمم طهارته ناقصة فلا يصلي بمن هو متوضئ - وقد قال بذلك بعض أهل العلم ولكن الصحيح ما ذكره المؤلف

قال (والمفترض بالمتنفل) يعني يجوز أن يكون الإمام يصلي الفريضة (الظهر أو العصر مثلا ) والمأموم يصلي النافلة تحية المسجد أو نفلا مطلقا ونحو ذلك .


مسألة : المؤلف لم يذكر العكس وهو أن يكون الإمام متنفلا (يصلي نافلة) والمأموم يصلي فريضة

وذلك لأن هذه الكيفية لا تجوز عنده , فلا يؤم المتنفل المفترض ,

ولكن الصحيح في هذه المسألة أن يجوز - خلافا لما مشى عليه المؤلف رحمه الله - وقد دلت الأدلة الكثيرة على جوازه ومن أوضحها فعل معاذ بن جبل - رضى الله عنه - كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم العشاء فكانت صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم فريضة وصلاته إماما بقومه نافلة وهم مفترضون.


مسألة أخرى : لو اختلفت الصلاة , واحد يصلى العصر (إمام) وواحد يصلى الظهر (مأموم) والمؤلف -رحمه الله تعالى- مشى على القول الذي يجيز ذلك وهو القول الراجح .

ذكر المؤلف بعد ذلك مسألة الاقتداء وهي ( موقف المأموم أو المأمومين من الإمام سواءا كان المأموم رجلا أو امرأة واحدا أو أكثر من واحد.)

قال ( وإذا كان المأموم واحدا وقف عن يمين الإمام فإن وقف عن يساره أو فذا وحده لم تصح صلاته إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه فإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح وإن وقفوا قدامه أو عن يساره لم يصح )

(وإن صلت امرأة بالنساء قامت معهن في الصف وسطا وكذلك إمام الرجال العراة يقوم وسطهم وإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا ) .


إذن عندنا حالات:

أولا : الرجال :-

1- إذا كان واحدا جعله الإمام عن يمينه وإن وقف عن يساره ينبغي على الإمام أن يديره ليمينه , ولا يصلي المنفرد خلف الإمام

2- إذا كانوا أكثر من واحد فيصفون خلف الإمام

3- الجماعة العراة إمامهم يقوم وسطهم ولا يتقدمهم

4- موقف المأمومين مع الإمام إذا كانوا أكثر من واحد

أ- خلفه وهو الأفضل.

ب- عن جانبيه وهو جائز.

ج- عن يمينه فقط وهو أيضا جائز.

د- أمامه , وهذا لا يصح بل صلاتهم باطلة إلا إذا دعت الضرورة لزحام شديد ونحو ذلك كما يحدث في المسجد الحرام أو في صلوات الجمعة في بعض الأماكن.


ثانيا : النساء :-

1- إذا كانت واحدة أو أكثر مع الرجال يصلين خلفهن.

2- إذا كن مجموعة من النساء فإمامتهن تقف وسطهن ولا تتقدمهن.

3- لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال.

4- تقف المرأة مع المرأة كموقف الرجل مع الرجل.


ثالثا: الصبيان :-

1- إذا كان واحدا مع الإمام يكون عن يمينه. (كفعل ابن عباس حين صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم)

2- إذا كان واحدا مع رجل آخر إما أن يجعلهما الإمام عن يمينه, أو الرجل عن يمينه والصبي عن يساره.

3- إذا كان مع إمرأة يجعله الإمام عن يمينه , والمرأة خلفه (كفعل أنس حين صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وخلفهما أمه أم سليم)

4- صلاة الصبيان مع الرجال : الأولى فيها أن يكونوا بين صفوف الرجال ويفرقون في الصفوف ولا يقفون صفا واحدا في الخلف , لأن هذا يؤدي إلى مفاسد منها :

أ- العبث واللعب.

ب- التشويش على المصلين.

ج- عدم تعلمهم للكيفية الصحيحة للصلاة بخلاف صلاتهم بين الرجال.

رابعا: الخنثى :-

مثل المرأة لكن لو اجتمع مع صبي وإمرأة فالذي يلي الرجال الصبي ثم الخنثى ثم المرأة


قال ( ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا ) .

وهنا مسألتان وهما (متى تدرك الجماعة ؟ ومتى تدرك الركعة؟)

يعني إذا أتيت المسجد والإمام جالس للتشهد الأخير وكبرت معه فهل تكون أدركت الجماعة؟

أدركت فضيلة الجماعة أم لا؟

المؤلف يرى أنه تدرك الجماعة بإدراك الإمام قبل السلام لأنه أدرك جزءا من الصلاة

والرأي الثاني في المسألة أنها لا تدرك الجماعة إلا بإدراك الركعة كاملة و ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) مفهوم هذا الحديث أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصلاة.


قال (ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) , يعني إذا أتيت إلى المسجد والإمام يصلى بالمأمومين وهو في الركوع فلا تحتسب هذه الركعة إلا بإدراك الركوع مطمئنا مع الإمام .

ومتى تحكم بأنك أدركت الركوع؟

الجواب : إذا كبرت تكبيرة الإحرام واقفا ثم كبرت تكبير الركوع وأدركت الإمام واطمأنت أعضاؤك قبل أن يقول الإمام سمع الله لمن حمده فحينئذ أدركت الركوع.

ومسألة إدراك الركعة بالركوع من المسائل الكبيرة الممتعة وفيها خلاف سائغ قديم ليس هذا محل تفصيله .....

بقيت مسألة لم يذكرها المؤلف هي حكم صلاة الجماعة هل هي فرض عين على كل مسلم ؟ أم فرض على الكفاية (راجع مدونات أصول الفقه لمعرفة الفرق بين فرض العين وفرض الكفاية) ؟ أم هي سنة مؤكدة ؟

التفاصيل في الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى

أسأل الله الثبات , والحمد لله أولا وآخرا.


الجمعة، نوفمبر ١٤، ٢٠٠٨

دلالة الاقتضاء ؛ دلالة الايماء ؛ دلالة الاشارة .

بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ؛ انه من يهده الله فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ...أما بعد ؛؛؛
نستكمل بمشيئة الله اليوم الحديث عن دلالة الألفاظ على الأحكام ؛ وسنتحدث عن أقسام المنطوق غير الصريح والتي هي : ( دلالة الاقتضاء ؛ دلالة الايماء ؛ دلالة الاشارة )
أولا : دلالة الاقتضاء :
هي دلالة اللفظ بالالزام على معنى غير مذكور مع أنه مقصود بالأصالة ولا يستقل المعنى أي : لايستقيم الا به لتوقف صدقه أو صحته عقلا أو شرعا عليه وان كان اللفظ لايقتضيه وضعا .
وسميت دلالة الاقتضاء : لأنها تقتضي شيئا زائدا على اللفظ .
وهذه الدلالة تنقسم الى ثلاثة أقسام :
أ-مقتضى يجب تقديره لصدق الكلام :
مثــــــــــل : قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
فلو أخذنا بظاهر الحديث لوجدنا :
1- اما أن يدل على رفع الخطأ والنسيان والاكراه ؛ وكل ذلك لم يرفع بدليل وقوع الأمة فيه .
2- أو يدل على رفع الفعل الذي وقع خطأ أو نسيانا بعد وقوعه ؛ ورفع العمل بعد وقوعه محال .
3- أو لابد أن نقدر لفظ محذوف يتم به فهم الكلام وهو ( اثم ) أو ( حكم ) وكل منهما ليس مذكورا في الحديث غير أن صدق الكلام توقف على تقدير أحدهما لأن صدق الكلام اقتضى ذلك وتطلبه .
ب- مقتضى يجب تقديره لصحة الكلام عقلا :
كما في قوله تعالى ( واسأل القرية ) فانه لابد من اضمار وتقدير- أهل - حتى يصح اللفظ عقلا لأن القرية هي الأبنية والجدران وهذان لايصح سؤالهما عقلا .
ج- مقتضى يجب تقديره لصحة الكلام شرعا :
مثل : اذا أمر شخص ما بالصلاة فان ذلك يتضمن الأمر بالطهارة لامحالة.
فاللفظ المتوقف صدقه أو صحته منطوق صريح ؛ والمضمر الذي لابد للصدق أو للصحة منه منطوق غير صريح وهو من ضرورة المنطوق الصريح .
ثانيا : دلالة الايماء أو التنبيه :
الايماء في اللغة : التنبيه .
واصطلاحا : اقتران وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا .
والمراد بالوصف : اللفظ المقيد لغيره سواء كان شرطا أو غاية أو استثناء .
ومعنى : لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا : أي : لو لم يكن اقتران الوصف بحكم أو نظيره لتعليل الحكم لكان بعيدا من الشارع لأنه لايليق بفصاحته وبلاغته أن يذكر ما لافائدة منه .
مثـــــال :
قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعو أيديهما ) :
فقد رتب الحكم وهو(القطع)على الوصف وهو ( السرقة ) بفاء التعقيب ؛ فلو لم يكن الوصف هنا لتعليل الحكم لكان بعيدا عن كلام الشارع .
ثالثا : دلالة الاشارة :
وهي دلالة اللفظ على معنى غير مقصود للمتكلم .
فدلالة الاشارة ليست مقصودة في الكلام وانما تابعة له. بخلاف دلالة الاقتضاء والايماء قمقصودتان في الكلام وان اختلفتا في أن دلالة الاقتضاء يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته العقلية والشرعية .
مثـــا ل ذلك : في حديث نقصان دين المرأة ؛ قيل : وما نقصان دينهن ؟ قال : تمكث احداهن شطر دهرها لاتصلي . أي : نصف عمرها .
فدل ذلك على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يوما وكذلك أقل الطهر خمسة عشر يوما .
فدلالة الحديث على ذلك منطوق غير صريح لأن بيانه غير مقصود لكنه يلزم من حيث أنه قصد المبالغة والمبالغة تقتضي ذكر أكثر مايتعلق به الغرض ؛ ولو كان زمان ترك الصلاة (زمان الحيض)أكثر من ذلك لبينه -صلى الله عليه وسلم-.
في الدرس القادم بمشيئة الله سنتحدث عن تقسيم المنطوق الى واحد ومتعدد.
أسأل المولى عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا ؛ وأن ينفعنا بما علمنا ؛ انه ولي ذلك والقادر عليه ؛
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

الأربعاء، نوفمبر ١٢، ٢٠٠٨

الصلاة - 23

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

سؤال اليوم: ماذا تفعل في الحالات الآتية:
1- من استيقظ وقت نهي وقد فاتته صلاة , هل يصليها في هذا الوقت ؟
2- من أراد أن يستخير لامر ضروري وهو في وقت نهي ؟
3- من صلى العصر ثم جاء إلي المسجد فأقيمت الصلاة لجماعة أخرى؟



باب الإمامة (صلاة الجماعة)


قال المؤلف رحمه الله (روى أبو مسعود البدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله عز وجل فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ولا يؤمن الرجل في بيته ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما) وكانت قراءتهما متقاربة).

المؤلف -رحمه الله تعالى- بدأ الحديث عن الإمامة ببيان من هو الأولى بالإمامة

فذكر على الترتيب : -

1- الأقرأ لكتاب الله تعالى

2- الأعلم بالسنة

3- الأقدم هجرة

4- الأكبر سنا

وهنا مسائل مهمة:

أولا: مسألة الترتيب في الإمامة إنما تكون عند تقدم أكثر من شخص للإمامة وعند التنازع أوعند ابتداء اختيار إمام للجماعة أما إذا كان الإمام موجودا ومعينا و هو الإمام الراتب , فهو الأولى من غيره ا , ولو كان موجودا من هو أفضل منه في هذه الصفات.

ثانيا: المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم الأقرأ: اختلف فيها العلماء هل المقصود بالأقرأ الأفضل قراءة وتجويدا وتصحيحا أم الأقرا هو الأكثر حفظا ؟ ,ولكن لا إشكال أنه إذا كان الأقرأ تشمل المعنيين وأن من جمع القراءا كما وكيفا أنه يقدم.

ثالثا: العلم بالسنة يعني بها ما يتعلق بالصلاة بالذات وإن كان يدخل فيه أيضا الأعلم في الفروع المختلفة ولكن الأهم أن يكون عالما بأحكام الصلاة ولهذا كثير من الفقهاء يعبرون بدل الأعلم بالسنة فيقولون : الأفقه.

رابعا: إذا اجتمع شخصان أحدهما قارئ متقن حافظ مجود بل متقن للتلاوة يخرج الحروف من مخارجها ويطبق أحكام التجويد ولكنه لا علم عنده في الفقه مطلقا , والآخر قاريء ولكنه أعلم بالفقه من الأقرأ فمن نقدم ؟

قال الفقهاء -رحمهم الله تعالى- القاري الأعلم بالفقه لأن الإمام في صلاته بحاجة إلى الفقه وحيث إن قراءته سليمة وصحيحة يقدم لأنه جمع الأمرين.

فهل في هذا مخالفة للحديث الذي نص على تقديم الأقرأ ؟

قالوا لا , لأن الصحابة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا إذا قرؤوا عشر آيات من القرآن لا يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، ولهذا قالوا يلزم من الأقرأ أن يكون فقيها في عهد الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- ولهذا قالوا يقدم الأقرأ الأفقه أو القاريء الفقيه.

خامسا: المرتبة الثالثة في الموازنة بين المتقدمين للإمامة الأقدم هجرة وكان هذا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم.

سادسا: قال ثم مع التساوي القرعة يعني إذا استوو في هذه الصلاة كلها ولم يتميز أحدهما بميزة معتبرة شرعا فإنه يقرع بينهما فمن وقعت عليه القرعة اختير للإمامة.


ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى- (ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا من لم يعلم حدث نفسه ولم يعلمه المأموم حتى سلم فإنه يعيد وحده ولا تصح خلف تارك ركن إلا إمام الحي إذا صلى جالسا لمرض يرجى برئه فإنهم يصلون وراءه جلوسا إلا أن يبتدأ ثم يعتل فيجلس فإنهم يتمون معه قياما ولا تصح إمامة المرة ولا من به ثلث البول والأمي الذي لا يحسن الفاتحة أو يخل بحرف منها إلا بمثلهم)
.

المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا يتحدث عن من لا تصح إلصلاة خلفه

وهم قسمان :

1- من لاتصح صلاته لنفسه: مثل الكافر والمجنون والمحدث (إذا علم المأموم ذلك)

2- من تصح صلاته لنفسه وتصح إمامته لمن هو مثله ولا تصح بغيره: مثل:

أ: المرأة تؤم النساء ولاتؤم الرجال.

ب: من لا يحسن الفاتحة فيؤم من هو مثله ولا يوم من يحسن قراءة الفاتحة.

ج: من به سلس بول أو المستحاضة ونحو ذلك ممن به حدث يمنع كمال الطهارة فصلاته لمفسه صحيحة ويؤم من هو مثله ولا تصح إمامته بغير ذلك من الأصحاء

د: العاجز عن أحد الأركان كالمشلول الذي لا يستطيع القيام فلا يصلي بالأصحاء , أو من لا يستطيع السجود لمرض فلا يؤم من يستطيع ذلك لكن المؤلف استثنى من ذلك حالة واحدة.

وهي إمام الحي - أي الإمام الراتب - الذي يرجى زوال مرضه


ونكمل الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين

الأحد، نوفمبر ٠٩، ٢٠٠٨

عقيدة -42 الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم خاتم الرسل (ملحق 3)

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين...

الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم خاتم الرسل (ملحق 3)

رابعا: مكانة الصحابة عند الخوارج (الإباضية):

الخوارج: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة يسمى خارجياً سواء كان ذلك الإمام أيام الصحابة - رضي الله عنهم - أم أيام من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

غير أن هذا الاسم اختصت به فرقة من فرق المسلمين وأصبح علماً على الذين خرجوا على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعد موقعة صفين...

و بمرور الزمن تبقى من فرق الخوارج فرقة الإباضية (يدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج و ينفون عنهم هذه النسبة، و الحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلاً)، و قد كان تاريخ انتشارهم كما يلي:

- كانت لهم صولة وجولة في جنوبي الجزيرة العربية حتى وصلوا إلى مكة المكرمة و المدينة المنورة، أما في الشمال الإفريقي فقد انتشر مذهبهم بين البربر وكانت لهم دولة عرفت باسم الدولة الرستمية وعاصمتها تاهرت.

- حكموا الشمال الإفريقي حكماً متصلاً مستقلاً زهاء مائة و ثلاثين سنة حتى أزالهم الشيعة العبيديون (الذين سمّوا أنفسهم الفاطميين، راجع الملحق السابق).

- قامت للإباضية دولة مستقلة في عُمان و تعاقب على الحكم فيها إلى يومنا هذا أئمة (و سلاطين) إباضيون.

- ما يزال لهم وجود إلى وقتنا الحاضر في كل من عُمان بنسبة مرتفعة و ليبيا و تونس و الجزائر و في واحات الصحراء الغربية و في زنجبار التي ضُمت إلى تانجانيقا تحت اسم تنزانيا.

أولا: نظرة الإباضية إلى الصحابة رضي الله عنهم (للتفصيل ينظر في كتب الفرقة الإباضية):

لقد اجتمعت فرق الخوارج على عدة مسائل على الرغم من اختلافاتها فيما بينها، منها ما يتعلق بموضوعنا و هو: تكفير علي و عثمان و الحكمين و أصحاب الجمل: عائشة و طلحة و الزبير و كل من رضي بالتحكيم: متهمين إياهم بالحكم بغير ما أنزل الله...

ثانيا: نظرة جماعة التكفير و الهجرة إلى الصحابة رضي الله عنهم (للتفصيل ينظر في كتب الجماعة):

جماعة المسلمين كما سمـت نفسها، أو جماعة التكفير والهجرة كما أطلق عليها إعلامياً، هي جماعة إسلامية غالية؛ و هي ليست فرقة عـقدية من فرق الخوارج و لكنها نهجت نهج الخوارج في بعض الأفكار كتكفير المسلم بإتيانه المعصية، نشأت داخل السجون المصرية في بادئ الأمر، و بعد إطلاق سراح أفرادها، تبلورت أفكارها، و كثر أتباعها في صعيد مصر، و بين طلبة الجامعات خاصة.

و من أفكارهم و معتقداتهم فيما يتعلق بموضوعنا: أن قول الصحابي و فعله ليس بـِحُـجَّـة و لو كان من الخلفاء الراشدين.

 خاتمة: نتائج الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم -:

أولاً: الطعن في صحة نقل القرآن:

فالقرآن منقول عن عموم الصحابة - رضي الله عنهم - بغض النظر عن كونهم معدّلين من قبل هؤلاء الطاعنين أم غير معدّلين، و في هذه الحالة يكون القرآن الكريم مشكوكاً فيه، فيحتمل أن يكون صحيحاً و يحتمل أن يكون غير ذلك، و هذا الشك ليس بأهون من القطع في عدم صحته.

فإذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - مطعوناً فيهم كما يروي هؤلاء الضالون فكيف نطمئن إلى أن ما نقرؤه من القرآن هو عين ما نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ إن المرء لا يستطيع إلا أن يشك في خبر من هو مطعون فيه، إن لم يردّه جملة و تفصيلاً.

س: قد يقول قائل منهم إننا لا نطعن في جميع الصحابة - رضي الله عنهم -، و إنما نطعن في بعضهم، فلا يلزم من كلامنا الطعن في صحة نقل القرآن.

ج: هذا كلام باطل، لأن القرآن نقل عن الصحابة - رضي الله عنهم - بمجموعهم لا عن أشخاص معينين منهم، فقد يكون من وقع عليه الطعن وافر الحظ في عملية جمع القرآن و تدوينه، أو ممن كان يكتب الوحي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ثانياً: الطعن في السنة المطهرة:

الطعن في الصحابة لا يبقى معه ذكر للسنة المشرفة، فهم وحدهم الذين تلقوها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – و هم وحدهم الشهود عليها، فإذا رفضناهم فإلى مَن نيمم وجوهنا؟! و على من نعتمد في معرفة هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم -؟

ثالثاً: تكذيب نصوص كثيرة من الكتاب و السنة:

إن الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم - يؤدي صراحة إلى الطعن و التكذيب السافر في كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي تشهد بعدالة الصحابة - رضي الله عنهم - وحسن سريرتهم وسمو مكانتهم، وتصرح برضا الله تعالى عنهم، وحسن ثوابه لهم، وأنهم كانوا خير أصحاب لخير رسول، بل كانوا خير أمة أخرجت للناس.

رابعاً: الطعن في شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

إن الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم - يؤدي صراحة إلى الطعن في شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فهم تلامذته الذين كانوا يحيطون به صلى الله عليه وسلم و كان يأنس بهم و يتحدث إليهم فكان يحبهم و يحبونه، و كانوا يجتهدون في أن تكون حياتهم بحركاتها و سكناتها مطابقة لحياته - صلى الله عليه وسلم -.

و في هذا الخصوص يقول الإمام مالك: (إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء و لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين).

ثم كيف نستطيع أن نتصور الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقضي حياته بين ظهراني قوم منافقين يكلمهم و يجاملهم و يتعامل معهم و يتزوج منهم و يزوج بناته لهم، هل كان يخشاهم؟! هل كان يتظاهر بذلك و هو الذي علمنا الصدق في كل الأحوال؟!

خامساً: فشل الإسلام كدين صالح للتطبيق:

و النتيجة الخامسة للطعن في الصحابة - رضي الله عنهم - هي أن الإسلام دين لم يطبق في يوم من الأيام و أنه غير صالح للتطبيق و أن تعاليمه إنما هي مُثُل تحلق في الفضاء. نعم، إذا آمنا بفسق الصحابة - رضي الله عنهم – و ارتداهم و العياذ بالله و هم بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – و قد عاينوا معجزاته بأعينهم و سمعوا آيات الله وهي تتلى خلف صياصيهم على لسان نبيهم، ثم لا تلج هذه الآيات إلى قلوبهم فما معنى هذا؟ معناه أنهم قد طلب منهم ما لا طاقة لهم به أو أنهم ليسوا من البشر.

و إذا كان الصحابة - رضي الله عنهم – و قد عاشوا حياتهم كما نعرفها، جهاداً في سبيل الله بالمال و النفس و الولد و مفارقة الأرض و الأحباب في سبيل نشر دعوة الإسلام... إذا كان كل هذا يعد نفاقاً و فسقاً و ارتداداً، فما هو معنى الإيمان الذي نريد أن نحققه و الذي عجز الصحابة - رضي الله عنهم - من الوصول إليه؟

*****

فالحمد لله أن جعلنا من أهل السنة و الجماعة الذين يعرفون للصحابة قدرهم، و أنهم خير القرون... رضي الله عنهم جميعا و ألحقنا بهم في دار كرامته... آمين.

*****

و الله أعلم

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك

يتبع إن شاء الله الدرس القادم خاتمة دروس الإيمان بالرسل.