الأحد، مارس ٢٢، ٢٠٠٩

عقيدة -51 خاتمة دروس الإيمان باليوم الآخر

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين

خاتمة دروس الإيمان باليوم الآخر

حول آثار عقيدة الإيمان باليوم الآخر و ثمراتها على الفرد و الأمة

إن إبراز (آثار العقيدة و ثمراتها على الفرد و الأمة) خاصية عظيمة ينبغي الاعتناء بها؛ فالعقيدة ليست متناً يُحفـظ أو يُستشرَح فحسب، ثم تبقى معرفة ذهنية لا أثر لها في حياة الفرد و الأمة! كلا، فكل مسألة من مسائل الاعتقاد لا بد و أن يتبعها ذكر ثمارها...

و للإيمان باليوم الآخر ثمرات جليلة منها:

الأولى: الرغبة في فعل الطاعة و الحرص عليها رجاء لثواب ذلك اليوم.

الثانية: الرهبة من فعل المعصية و الرضى بها خوفاً من عقاب ذلك اليوم.

الثالثة: تسلية المؤمن عما يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة و ثوابها.

==فصل==

يقول الله تعالى: (أفحسبتم أنما أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) (المؤمنون: 115)، و يقول: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار * أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) (ص: 27-28)، و يقول: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) (الجاثية: 21)، و يقول: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون) (القلم: 35-36).

و المعنى الذى تشير إليه هذه الآيات و أمثالها: أن الخلق يصبح عبثاً و باطلاً إذا لم يكن هناك يوم آخر يبعث فيه الناس و يحاسبون على أعمالهم التي عملوها في الحياة الدنيا. أي أن الحياة تصبح عبثاً، و خلق السماوات يصبح باطلاً لو كانت الحياة الدنيا هي نهاية المطاف.

و نستطيع أن ندرك بعقولنا هذا المعنى الذي تشير إليه الآيات.

فنحن نشاهد في حياتنا الدنيا ظالمين ظلوا ظالمين حتى لحظة الموت، و مظلومين ظلوا مظلومين إلى آخر حياتهم. أفإن كانت الحياة الدنيا هي نهاية المطاف أيكون هذا عدلاً و حكمة؟ و أين هو العدل و الظالم لم يقتص منه و المظلوم لم يقتص له؟! و أين هي الحكمة في خلق حياة تجري أحداثها على غير مقتضى العدل، ثم تنتهي على هذه الصورة؟

و نشاهد فى الأرض كفاراً و مؤمنين، تختلف معتقداتهم و سلوكهم و يختلف موقفهم من الخالق سبحانه. فريق استكبر و أبى أن يعبد الخالق و يطيعه، و فريق أسلم وجهه لله و هو محسن. و تسير الحياة بأحداثها، حتى تنتهي بموت أولئك و هؤلاء فهل يستوي المحسن و المسيء؟

فأما فى الحياة الدنيا فقد نجد الكفار ممكنين فى الأرض، منتفشين بالباطل، و المؤمنين مستضعفين مشردين مطاردين، و لو لفترة من الوقت هي فترة الابتلاء التى قدرها الله لكل دعوة و جعلها من سننه في الأرض: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (العنكبوت: 2-3).

==فصل==

و نستطيع أن ندرك أهمية الإيمان باليوم الآخر في سلوك الفرد و سلوك الجماعة إذا عرفنا نفسية الشخص الذي لا يؤمن بالآخرة و طبيعة تصوره للحياة الدنيا و طريقة انفعاله بها.

إن الحياة الدنيا في حسه هي الأولى و الأخيرة. و العمر فرصة واحدة إن لم تنتهب فسوف تضيع! و إذا كان العمر - مهما طال - محدوداً بسنوات، و لذائذ الحس كثيرة ومتنوعة، فالبدار البدار!

هكذا تكون القضية في حس الذي لا يؤمن باليوم الآخر. فرصة وحيدة محدودة ينبغي أن تنتهز و يؤخذ فيها أكبر قدر من الملذات.. و لذلك تتكالب الجاهليات دائماً على متاع الأرض و تتصارع عليه، و تنحصر اهتماماتها فى حدود الدنيا.

يعمل و ينتج؛ و لكن لأي هدف؟ ليحصل على أكبر قدر يستطيع الحصول عليه من المال، ثم ينفق هذا المال في الحصول على أكبر قدر من المتاع، يستوي في حسه أن يكون من المتاع الحلال أو الحرام! بل إن فكرة الحرام لا تخطر على باله على سبيل الجد! فالأصل عنده هو الاستمتاع، قبل أن تفوت الفرصة التى إن مضت لا تعود ! فما معنى الحرام فى حسه؟! إنه ليس إلا قيداً على المتاع! و هو قيد - في نظره - غير معقول و لا موجب له، لأنه يضيع الفرص المحدودة التي لن تعود!

لذلك أيضاً فإن قيد الأخلاق و قيد الضمير و قيد المشاعر الإنسانية كلها قيود غير معقولة، كقيد الحرام سواء بسواء! ومن ثم تفسد الأخلاق فى الجاهليات، ويضعف وازع المضير وتحل المصلحة محله. أما المشاعر الإنسانية ويالقيم العليا فتعد سخفاً و سذاجة لا تليق بإنسان عاقل، إذا هي فوتت عليه فرصة المتاع!

وحين يؤمن الإنسان باليوم الآخر إيمان اليقين تحسم القضية في حسه حسماً كاملاً و تستقر الأمور؛ فكل نعيم فى الدنيا لا يقاس إلى نعيم الآخرة، و لا يساوى من جهة أخرى غمسة واحدة في العذاب من أجله، و كل عذاب فى الدنيا -في سبيل الله- لا يقاس إلى عذاب الآخرة و لا يوازي من جهة أخرى غمسة واحدة من أجله في النعيم.

و عندئذ يقدر الإنسان على موازنة ثقلة الأرض، و يقدر على الارتفاع إلى القيم العليا و الأخلاق الفاضلة و المثل الرفيعة، لأنه يوقن بالجزاء الذي سوف يناله على ذلك كله.

==فائدة==

أهل السنة و الجماعة يؤمنون بما دلت عليه الأدلة في مصائر العباد يوم القيامة، و هو مقتضى حكمة الله و علمه و فضله و عدله و لطفه سبحانه...

أ‌.        من مات على التوحيد دخل الجنة يوما من الدهر أصابه قبل هذا اليوم ما أصابه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، و في رواية أخرى: (و لم يعمل خيرا قط) وفي حديث آخر: (على ما كان من العمل) (رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجه، وأحمد). و هم على أقسام:

1.     من رجحت حسناته عن سيئاته بواحدة دخل الجنة لأول وهلة.

2.     من تساوت حسناته و سيئاته، فهو من أصحاب الأعراف و مآلهم إلى الجنة.

3.     من رجحت سيئاته على حسناته استحق دخول النار، و من استحق دخول النار من عصاة الموحدين و مبتدعيهم فهم على أقسام:

·   منهم من في مشيئة الله إن شاء عذبه و إن شاء غفر له: كما في أحاديث الشفاعة على الصراط: (و دعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم)، فمن الناس من يستحق الوقوع فلا يقع، كما دل عليه ذلك الحديث و كذا حديث: (ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) (رواه البخاري).

·  منهم من يدخل النار بلا شك و لكنه لا يخلد فيها كما دلت عليه أحاديث الشفاعة المتواترة.

ب‌.    من مات على غير التوحيد و قد بلغته الرسالة فهو مخلد فى النار أبدا:

قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: من الآية 48]، و في أحاديث الشفاعة: (لا يبقى في النار إلا من حبسه القرآن) (رواه مسلم) أي أوجب عليه الخلود.

ت‌.    من مات على غير التوحيد و لم تبلغه الرسالة فهو من أهل الامتحان في عرصات القيامة:

كما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، و رجل أحمق، و رجل هرم، و رجل مات في الفترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، و أما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام و لم أعقل شيئا و الصبيان يقذفونني بالبعر، و أما الهرم فيقول: رب لقد جاءني الإسلام و ما أعقل شيئا، و أما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك من رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما، ومن لم يدخلها سحب إليها) (السلسلة الصحيحة).

*****

و الله أعلم

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك

يتبع إن شاء الله الدرس القادم الإيمان بالقدر.

ليست هناك تعليقات: