السبت، مارس ١٤، ٢٠٠٩

عقيدة -50 الإيمان بالجنة و النار (2)

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين

الإيمان بالجنة و النار (2)

قلنا إن الإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:

الثالث: الإيمان بالجنة و النار و أنهما المآل الأبدي للخلق... و هو ما زال موضوع هذا الدرس إن شاء الله.

ونشهد بالجنة لكل من شهد لـه الكتاب والسنة بالعين أو بالوصف، فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ونحوهم ممن عينهم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الشهادة بالوصف: الشهادة لكل مؤمن أو تقي.

ونشهد بالنار لكل من شهد لـه الكتاب والسنة بالعين أو بالوصف، فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي لهب وعمرو بن لحي الخزاعي ونحوهما، ومن الشهادة بالوصف، الشهادة لكل كافرٍ أو مشركٍ شركاً أكبر أو منافق.

الشهادة لأحد بالجنة أو بالنار

س: من الذين نشهد لهم بالجنة تعيينا؟

ج: كل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد له كالحسن و الحسين و ثابت بن قيس و عكاشة بن محصن و عبد الله بن سلام، و قد نص الرسول صلى الله عليه وسلم نصاً صريحاً على أن عشرة من أصحابه من أهل الجنة، قال: (أبو بكر في الجنة، و عمر في الجنة، و عثمان في الجنة، و علي في الجنة، و طلحة في الجنة، و الزبير في الجنة، و عبد الرحمن بن عوف في الجنة، و سعد بن أبي وقاص في الجنة، و سعيد بن زيد في الجنة، و أبو عبيدة بن الجراح في الجنة) إسناده صحيح... إلخ.

س: من الذين نشهد لهم بالجنة بالوصف؟

ج: من الشهادة بالوصف: الشهادة لكل مؤمن أو تقي... و صح أن أول زمرة تدخل من هذه الأمة الجنة هي القمم الشامخة في الإيمان و التقى و العمل الصالح و الاستقامة على الدين الحق، يدخلون الجنة صفاً واحداً، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، صورهم على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب، و صح أن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة، و صح أن من الذين يدخلون الجنة قبل يوم القيامة الشهداء... إلخ.

س: من الذين نشهد لهم بالنار تعيينا؟

ج: قد أخبرنا القرآن الكريم، كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن أشخاصاً بأعيانهم في النار، فمن هؤلاء فرعون موسى (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار)، و منهم امرأة نوح و امرأة لوط (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين)، و منهم أبو لهب و امرأته [كما في سورة المسد] و منهم عمرو بن عامر الخزاعي، فقد رآه الرسول يجر أمعاءه في النار (حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد)، و منهم الذي قتل عمار و سلبه، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قاتل عمار و سالبه في النار) (صحيح الجامع)...إلخ.

س: من الذين نشهد لهم بالنار بالوصف؟

ج: من الشهادة بالوصف، الشهادة لكل كافرٍ أو مشركٍ شركاً أكبر أو منافق... فهؤلاء نشهد بخلودهم في النار أبدا، و كذلك من الذين نشهد أنهم يدخلون النار ثم يخرجون منها: أهل التوحيد الذين لم يشركوا بالله شيئاً؛ و لكن لهم ذنوب كثيرة فاقت حسناتهم، فخفت موازينهم، فهؤلاء يدخلون النار مدداً يعلمها الله تبارك وتعالى، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، ثم يخرج الله برحمته أقواماً لم يعملوا خيراً قط.

و الذنوب -بالاستقراء- نوعان: بدع، و معاصٍ...

و من الذنوب التي جاءت النصوص مخبرة أن أهلها يعذبون بسببها في النار: الفرق المخالفة للسنة و هم المبتدعة بدعا غير مكفـرة، و الامتناع من الهجرة، و الجور في الحكم، و الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، و الكبر، و قتل النفس بغير حق، و أكل الربا... إلخ.

==فصل==

ونؤمن بفتنة القبر: وهي سؤال الميت في قبره عن ربِّه ودينه ونبيه فـي قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) (ابراهيم: الآية27). فيقول المؤمن: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد، وأما الكافر والمنافق فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.

ونؤمن بنعيم القبر للمؤمنين (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32) .

ونؤمن بعذاب القبر للظالمين الكافرين (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام: الآية93).

والأحاديث في هذا كثيرة معلومة، فعلى المؤمن أن يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسُنة من هذه الأمور الغيبية، وألا يعارضها بما يشاهد في الدنيا، فإن أمور الآخرة لا تُقاس بأمور الدنيا لظهور الفرق الكبير بينهما. والله المستعان.

فتنة القبر، و نعيمه و عذابه

كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى، حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة و النار فلا تبكي، و تبكي من هذا؟ فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ القبر أول منزلة من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، و إن لم ينج منه فما بعده أشد منه)، قال: و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه) (صحيح الجامع الصغير).

س: ما المراد بفتنة القبر؟

ج: المراد بها ما ورد في الصحيح من أن الناس يمتحنون في قبورهم فيقال للرجل من ربك و ما دينك و من نبيك، فـ (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) فيقول المؤمن: ربي الله، و الإسلام ديني و محمد صلى الله عليه وسلم نبيي، و أما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيـُـضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان و لو سمعها لصعق، و في رواية فيها تفصيل (يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له: و ما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله تعالى فآمنت به و صدقت، فينادي مناد: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، و افتحوا له بابا إلى الجنة و ألبسوه من الجنة و يفسح له مد بصره). و قال في الكافر: (فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول ها هاه لا أدري) إلى أن قال: (فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار و افتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها و سمومها و يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه).

س: ما هو الدليل على عذاب القبر و نعيمه؟

ج: قول الله تعالى: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا، ويوم تقوم الساعة أدخِلوا آل فرعون أشد العذاب)، و قوله: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون)، و قوله: (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون)، و قوله: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون).

و في الصحيحين عن عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال: (نعم عذاب القبر حق)، و قال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر، وقال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع وذكر منها عذاب القبر)، و في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل -أو قريبا من- فتنة المسيح الدجال).

و في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) ثم قال: (بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة).

و صح أن رجلا غل شملة من المغنم فجاء سهم فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم التي لم تصبها المقاسم تشتعل عليه نارا).

س: هل عذاب القبر و نعيمه يحصل للروح و البدن؟ و هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟

ج: العذاب أو النعيم يحصل للروح و البدن جميعا، و الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة و هي تتصل بالبدن أحيانا و يحصل له معها النعيم أو العذاب...

و العذاب و النعيم في القبر نوعان، دائم كما في قوله تعالى (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) الآية، النوع الثاني: له أمد ثم ينقطع و هو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم فيعذبون بحسب الذنب ثم يخفف عنهم العذاب كما يعذبون في النار مدة ثم يزول عنهم العذاب.

*****

والأحاديث في هذا كثيرة معلومة، فعلى المؤمن أن يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسُنة من هذه الأمور الغيبية، وألا يعارضها بما يشاهد في الدنيا، فإن أمور الآخرة لا تُقاس بأمور الدنيا لظهور الفرق الكبير بينهما. والله المستعان.

*****

و الله أعلم.

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك.

يتبع إن شاء الله الدرس القادم خاتمة دروس الإيمان باليوم الآخر.

ليست هناك تعليقات: