الجمعة، فبراير ٢٠، ٢٠٠٩

مفهوم الحصر

بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ؛ انه من يهده الله فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ...أما بعد ؛؛؛
نستكمل بمشيئة الله اليوم الحديث عن دلالة الألفاظ على الأحكام ؛وحديثنا اليوم عن :
مفهوم الحصر :والحصر له معنيان :
1- القصر بالاصطلاح المعروف عند علماء البلاغة سواء كان من نوع قصر الصفة على الموصوف ؛ مثل : لا فتى الا علي .
أو قصر الموصوف على الصفة ؛ مثل : وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل .
2- مايعم القصر والاستثناء الذي لايسمى قصرا بالاصطلاح ؛ مثل قوله تعالى : ( فشربوا منه الاقليلا منهم ) .
والمقصود هنا : هو المعنى الثاني .
ويختلف مفهوم الحصر باختلاف أدواته وهو نوعان :
الأول : الحصر بانما . مثل : انما الأعمال بالنيات .
الثاني : تقديم الوصف على الموصوف . مثل : العالم زيد .
وقد اختلف في كل منهما : هل يفيد الحصر أم لا ؟
الأول : وهو مفهوم الحصر ب (إنما ) :
وقد اختلف العلماء في تقييد الحكم ب ( إنما ) كقوله – صلى الله عليه وسلم - :
1- انما الشفعة فيما لم يقسم .
2- انما الماء من الماء .
3- انما الولاء لمن أعتق .
4- انما الربا في النسيئة .
وقد اختلف الأصوليون في مفهوم ( إنما ) هل يفيد الحصر أم لا؟
فذهب الجمهور الى أن مفهوم ( إنما ) يفيد الحصر سواء كان بالمنطوق أو بالمفهوم .
وذهب بعض أصحاب أبي حنيفة الى أن مفهوم ( إنما ) لا دلالة له على الحصر الا أنه لتأكيد الاثبات .
الأدلة :
استدل الجمهور القائلون بأن مفهوم ( إنما ) يفيد الحصر سواء كان منطوقا أو مفهوما ب :
1- أن ( إن ) للاثبات و( ما ) للنفي ؛ فاذا جمع وقيل : انما زيد قائم . فالأصل بقاء معناه بعد التركيب على ماكان عليه .
2- أن العرب الفصحاء قد استعملوا ( إنما ) في مواطن الحصر .
ومن ذلك قول الفرزدق /
أنا الذائد الحامي الذمار وانما : يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي .
3- أن مفهوم ( إنما ) يفيد الحصر لكن يختلف حصرها فقد يكون حصرا حقيقيا كقوله تعالى : ( إنما الله اله واحد )
وقد يكون حصرا مجازيا على سبيل المبالغة . كقولهم : انما الشجاع عنترة .
واستدل القائلون بأن مفهوم ( انما ) لا يفيد الحصربما يلي :
1- أن لفظ ( انما ) مركب من ( ان ) المؤكدة و ( ما ) المؤكدة لها . فقوله تعالى : ( انما أنت نذير ) مثل : انك نذير في قوتها من حيث التأكيد . وقولك : ان زيدا قائم لا فرق بينه وبين قولك : انما زيد قائم . لأن ( ما ) زائدة فهي كالعدم . ولما كان قولك : ان زيدا قائم لايفيد الحصر فقولك : انما زيد قائم لايفيد الحصر كذلك !
2- قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) فلو كان مفهوم ( انما ) يفيد الحصرلكان من لم يحصل له الوجل لم يكن مؤمنا ! وليس كذلك !
والراجح – والله أعلم - :
أن مفهوم ( إنما ) يفيد الحصر وذلك لقوة أدلتهم كما أن ذلك ما يتطلبه اللسان العربي الفصيح .
الثاني : وهو تقديم الوصف على الموصوف ويعبر عنه ب : حصر المبتدأ في الخبر .
وذلك مثل قولهم : العالم زيد .
وقد اختلف العلماء في مفهوم الحصر هذا على مذهبين :
1- يفيد الحصر وهو لامام الحرمين وجماعة من الفقهاء . وهؤلاء اختلفوا هل يفيد الحصر بالمنطوق أم بالمفهوم ؟
2- لايفيد الحصر وهو للقاضي أبي بكر وجماعة من المتكلمين .
الأدلة :
استدل القائلون بافادته الحصر بما يلي :
1- أنهم قاسوا قول القائل ( صديقي زيد ) و( العالم زيد ) على قول القائل : زيد صديقي وزيد العالم .
فانه لو أفاد قوله : صديقي زيد والعالم زيد نفي للصداقة والعلم من غير زيد فيفيد أنه كلما صدق عليه العالم فهو زيد وهو معنى الحصر وهذا بعينه يجري في قول القائل : زيد العالم وزيد صديقي .
واذا اشتركا في ذلك فأولى أن يشتركا في الحكم بأن كلا منهما يفيد الحصر .
ولكن الاجماع قائم على أن قول القائل : زيد صديقي وزيد العالم لا يفيد الحصر . فوجب أن يكون قوله : صديقي زيد والعالم زيد لا يفيد الحصر وهو المطلوب .
2- لو كان قول القائل : صديقي زيد والعالم زيد تفيد الحصر ؛ وعكسه : زيد صديقي وزيد العالم لا يفيد الحصر لترتب على ذلك أمر باطل وهو أن التقديم يغير مدلول الكلمة ولكن التقديم لا يغير مدلول الكلمة ؛
فثبت أن قول القائل : زيد صديقي و ما شاكله لا يفيد الحصر .
أما القائلون بأنه لايفيد الحصر فاستدلوا ب :
1- أننا ندرك التفرقة بين قول القائل : زيد صديقي وقوله : صديقي زيد ؛ وبين قول القائل : زيد العالم وقوله : العالم زيد .
وهذا التحقيق وهو أن الخبر لايجوز أن يكون أخص من المبتدأ بل ينبغي أن يكون أعم منه أو مساويا له .
فلا يجوز أن نقول : الحيوان انسان ويجوز أن نقول : الانسان حيوان .
والراجح-والله أعلم - :
أن مفهوم قصر الصفة على الموصوف يفيد الحصر كذلك .أسأل المولى عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ماينفعنا انه ولي ذلك والقادر عليه ؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ....

ليست هناك تعليقات: