الأحد، فبراير ٠١، ٢٠٠٩

عقيدة -47 الإيمان بالحساب و الجزاء (2)

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين

الإيمان بالحساب و الجزاء (2)

قلنا إن الإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:

الثاني: الإيمان بالحساب و الجزاء، فيحاسب العبد على عمله و يجازى عليه... و هو لا يزال موضوع هذا الدرس إن شاء الله.

الثالث: الإيمان بالجنة و النار و أنهما المآل الأبدي للخلق... كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.

الشفاعة و الحوض و الصراط

ونؤمن بالشفاعة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، يشفع عند الله تعالى بإذنه ليقضي بين عباده، حين يصيبهم من الهمّ والكرب ما لا يُطيقون فيذهبون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونؤمن بالشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أن يخرجوا منها، وهي للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من النبيين والمؤمنين والملائكة، وبأن الله تعالى يُخرج من النار أقواماً من المؤمنين بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته.

س: ما هي الشفاعة و ما أقسامها؟

ج: هي لغة: الوسيلة و الطلب، و عرفها بعضهم بأنها: سؤال الخير للغير، و قال بعضهم: هي السؤال في التجاوز عن المعاصي و الآثام، أما الأقسام فثلاثة:

اثنتان خاصتان به – صلى الله عليه وسلم –

الأولى: الشفاعة العظمى هي شفاعته لأهل الموقف حتى يقضي بينهم حين يصيبهم من الهمّ والكرب ما لا يُطيقون، بعد أن يتدافع الأنبياء أصحاب الشرائع آدم إلى نوح و إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام، و هي المقام المحمود.

الثانية: شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.

الثالثة: عامة وهي للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من النبيين والمؤمنين والملائكة و هي التي تنكرها المعتزلة و الخوارج، و هي فيمن استحق النار، أن لا يدخلها و فيمن دخلها أن يخرج منها...

س: ما هي الشفاعة المثبتة و الشفاعة المنفية؟

ج: المثبتة هي التي أثبتها الله في كتابه، و هي لأهل الإخلاص، و لها شرطان:

أحدهما: إذن الله للشافع أن يشفع.

والثاني: رضاه عن المشفوع له، و لا يرضى من العمل إلا ما كان خالصًا صوابًا...

قال تعالى (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) و قال (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا) و قال (إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)

و أما المنفية فهي التي من غير الله، أو بغير إذنه، أو لأهل الشرك به.

س: إلى كم انقسم الناس في إثبات الشفاعة و نفيها؟

ج: إلى أقسام: طرفان و وسط:

قسم نفوا الشفاعة العامة كما مرّ و هم الخوارج و المعتزلة، فنفوا شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكبائر..

قسم أثبتوا الشفاعة للأصنام و هم المشركون كما ذكر الله عنهم في كتابه بقوله (وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) ..

قسم توسطوا و هم أهل السنة فأثبتوا الشفاعة بقيودها المتقدمة مع ذكر أدلتها.

س: هل يدخل الجنة أحد بغير شفاعة؟

ج: نعم يخرج الله أقوامًا من النار بغير شفاعة، بل بفضله و رحمته، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديثه الطويل: (فيقول الله: شفعت الملائكة و شفع النبيون، و لم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرا قط)، و في الحديث الآخر (لأخرجن من قال لا إله إلا الله)؛ فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان و هم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم، و إنما دلت النصوص على أنه أذن لمن عنده شيء زائد على مجرد الإيمان، و جعل للشافعين من الملائكة و النبيين صلوات الله و سلامه عليهم، و تفرد الله عز وجل بعلم ما تكنه القلوب و الرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان...

==فصل==

ونؤمن بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من رائحة المسك طوله شهر وعرضه شهر وآنيته كنجوم السماء حسناً وكثرة، يرده المؤمنون من أمته، من شرب منه لم يظمأ بعد ذلك.

س: ما هو الإيمان بالحوض المورود، و ما موضعه و صفته و من الذي يرده و هل يمنع منه أحد؟

ج: التصديق الجازم بما أجمع عليه أهل الحق من أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - حوضًا في عرصات القيامة ترد عليه أمته - صلى الله عليه وسلم -، أخرج الشيخان و غيرهما، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حوضي مسيرة شهر و ماؤه أبيض من اللبن و ريحه أطيب من ريح المسك كيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبدًا)، و في صحيح مسلم: (ليردن على الحوض أقوام فيختلفون دوني فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوه بعدك)؛ و هم أهل الردة، و لهذا قال فيهم (سحقا سحقا)، و لا يقول ذلك في مذنبي الأمة، بل يشفع لهم، و يهتم لأمرهم كما سبق... فكل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه مالا يرضاه الله و لم يأذن به الله - فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، و كذلك الظلمة المسرفون في الجور و تطميس الحق و قتل أهله و إذلالهم و المعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي و جماعة أهل الزيغ و الأهواء و البدع...

س:هل الحوض مختص بنبينا - صلى الله عليه وسلم - أم لكل نبي حوض؟

ج: الحوض الأعظم مختص به - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه فيه نبي غيره، وأما سائر الأنبياء فقد روى الترمذي عن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن لكل نبي حوضًا وأنهم يتباهون أيهم أكثر واردة وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة).

==فصل==

ونؤمن بالصراط المنصوب على جهنم يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فيمر أولهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول: يا رب سلّم سلّم. حتى تعجز أعمال العباد، فيأتي من يزحف، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة، تأخذ من أمرت به، فمخدوش ناجٍ ومكردس في النار.

س: ما هو الصراط و ما حكم الإيمان به؟

ج: هو الجسر المنصوب على متن جهنم بين الجنة و النار...

يرده الأولون يمرون عليه على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر و منهم من يمر كالبرق و منهم من يمر كالريح و منهم من يمر كالفرس الجواد و منهم كركاب الإبل و منهم من يعدو عدوًا و منهم من يمشي مشيًا (والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول: يا رب سلّم سلّم. حتى تعجز أعمال العباد...) و منهم من يزحف زحفًا و منهم يخطف خطفًا و يلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم...

و النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع –الشفاعة العظمى– ليقضى بين الخلق، و الشفاعة العامة فيمن يخرج من النار (ممن سقط من على الصراط) تقع بعد ذلك...

فمن مر على الصراط بادئ ذي بدء دخل الجنة...

فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض، فقبل دخول الجنة لا بد من إجراء القصاص بين المؤمنين حتى يدخلوا الجنة و هم على أكمل حالة: قد خلصوا من المظالم...

فإذا هذّبوا و نقوا، أذن لهم في دخول الجنة وقد ذهب ما في قلوب بعضهم على بعض من الغل كما قال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين)...

و الإيمان به واجب.

*****

و الله أعلم.

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك.

يتبع إن شاء الله الدرس القادم تفصيل الإيمان باليوم الآخر.

ليست هناك تعليقات: