الجمعة، ديسمبر ٢٦، ٢٠٠٨

حجية مفهوم المخالفة ؛ مفهوم الصفة ؛

بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ؛ انه من يهده الله فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ...أما بعد ؛؛؛
نستكمل بمشيئة الله اليوم الحديث عن دلالة الألفاظ على الأحكام ؛
وحديثنا اليوم عن ( حجية مفهوم المخالفة ) :
اذا كان الأصوليون قد اتفقوا على حجية مفهوم الموافقة الا أنهم اختلفوا في حجية مفهوم المخالفة .
فذهب جمهور الأصوليون الى أن مفهوم المخالفة حجة وهو حجة ( ظنية ) الا في مفهوم اللقب لأنه أضعف أقسام مفهوم المخالفة عندهم .
وذهب الحنفية الى عدم حجية مفهوم المخالفة واعتبروا الاستدلال به استدلالا فاسدا .
وسيتبين لنا ذلك من خلال الأقسام :
أولا : مفهوم الصفة :
تعريفه : تعليق الحكم على الذات بأحد الأوصاف .
ويتعلق الحكم باحدى الصفات يدل على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف .
مثال مفهوم الصفة :
1-قول الرسول صلى الله عليه وسلم : في الغنم السائمة زكاة .
فمنطوق وجوب الزكاة في الغنم السائمة ومفهوم المخالفة عدم وجوب الزكاة في المعلوفة .
2- قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لي الواجد يحل عرضه وعقوبته .
واللي : المطل والامتناع .
الواجد : أي الغني .
وهذا الحديث يدل بمنطوقه على أنه يجوز للدائن أن يقول في حق المدين الذي يجد المال ولكنه يماطل : أنت ظالم وغير ذلك مما لايعد فحشا ولا قذفا .
كما أنه يدل على أنه يحق للقاضي أن يعاقب هذا المدين على مماطلته بما يراه هو .
ويدل بالمفهوم المخالف على أن مماطلة المدين الفقير الذي لايجد مايؤدي به دينه لايتيح لدائنه أن يتكلم في حقه ولا يحق للقاضي تعزيره لا نتفاء وصف الغنى في الحديث .
آراء الأصوليين في حجية مفهوم الصفة :
اختلف الأصوليون في الأخذ بمفهوم الصفة واعتبار حجيته على النجو الآتي :
1- ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل - رضي الله عنهم- وكثير من العلماء الى أنه حجة ؛ فاذا علق الحكم باحدى صفتي الذات فانه يدل على نفي الحكم عما عداها .
2- وذهب أبو حنيفة والقاضي أبو بكر الباقلاني والغزالي الى أنه ليس بحجة فاذا علق الحكم باحدى صفتي الذات فانه لايدل على نفي الحكم عما عداه.
وهناك رأي مفصل لأبي عبد الله البصري لكنه مليء بتفصيل نحن في غنى عنه .
الأدلة :
استدل القائلون بأن مفهوم الصفة حجة بما يلي :
أولا : أنه يتبادر الى الذهن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : مطل الغني ظلم أن مطل الفقير ليس بظلم ؛ والتبادر أمارة الحقيقة .
وقد صرح بذلك عدد من علماء الغة .
ثانيا : أن تعليق الحكم بالصفة يفيد في العرف نفيه عما عداه فوجب أن يكون في أصل اللغة كذلك .
والدليل على أن العرف يفيد ذلك :
لو قال قائل : الانسان الطويل لايطير . فلا يفيد ذلك كون الانسان القصير يطير !!!
واذا ثبت ذلك في العرف وجب أن يكون في أصل اللغة كذلك والا لزم النقل وهو خلاف الأصل .
ثالثا :المفهوم لو لم يدل على أن المراد مخالفة المسكوت عنه للمنطوق في الحكم لما كان لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة ؛ واللازم باطل لأنه لا يستقيم أن يخصص آحاد البلغاء شيئا بالذكر من غير فائدة لهذا التخصيص فكلام الله تعالى ورسوله أولى بأن يكون تخصيص الشيء بالذكر له فائدة والفائدة هنا هي اثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه .
رابعا : ماروي أن يعلى بن أمية قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - :( مالنا نقصر وقد أمنا ) وقد قال تعالى : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ؟
وجه الدلالة : أن يعلى بن أمية فهم من تخصيص القصر بحالة الخوف عدم القصر عند عدم الخوف ولم ينكر عمر ذلك ؛ بل قال : عجبت مما عجبت منه فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته .
ويعلى بن أمية وعمر بن الخطاب من فصحاء العرب وقد فهما ذلك وأقرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك . فدل ذلك على حجية مفهوم الصفة .
أدلة المنكرين لحجية مفهوم الصفة :
أولا : أن تقيد الحكم بالصفة لو دل على نفيه عند نفيها فاما أن يعرف ذلك بالعقل أو بالنقل ؛ أما معرفة ذلك بالعقل فهي منتفية لأن العقل لا مجال له في اللغات ؛
بقيت المعرفة بالنقل وهو منتف أيضا لأن النقل اما متواتر أو آحاد والمتواتر لاسبيل له وبالنسبة للآحاد فهي لاتفيد غير الظن وهو لا يصلح في اثبات اللغات .
ثانيا : قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق ) .
وجه الدلالة : لو كان اللفظ يدل على نفي الحكم عند انتفاء الصفة لجاز قتل الأولاد عند عدم الفقر والآية لاتدل على ذلك اجماعا فبطل ما تدعونه !
أجيب عن استدلالهم بالآية بما يلي :
الآية ليست من مفهوم المخالفة بل هي من المفهوم الموافق الأولوي لأنه اذا كان قتل الأولاد عند خشية الفقر غير جائز فمن باب أولى عدم جواز قتلهم عند عدم الخوف .
والراجح - والله أعلم بالصواب - :
رأي الجمهور لأن أدلتهم المثبتة لحجية مفهوم الصفة قوية وأدلة غيرهم وجه اليها كثير من الاعتراضات .
في الدرس القادم - بمشيئة الله - نتناول مفهوم الشرط .
أسأل المولى - عز وجل - أن يعلمنا ماينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا انه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ؛؛؛؛

ليست هناك تعليقات: