الأربعاء، ديسمبر ١٠، ٢٠٠٨

الصلاة - 27

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

سؤال اليوم : اذكر باختصار الأحوال التي يجوز فيها الجمع بين الصلاتين

باب صلاة السفر

موضوعنا اليوم عن السفر

والسفر من الأعذار المراعاة في التخفيف في باب الصلاة.

فائدة : سمي سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي يبينها ويظهرها؛ لأن الشخص لا تعرف أخلاقه وصفاته في الغالب إلا من خلال السفر أو من خلال المعاملة أو من خلال المجاورة.

يذكر عن بعض القضاة أنه إذا جاء شخص يشهد لشخص أو يزكيه , فسأله هل سافرت معه؟ هل عاملته بالدرهم والدينار؟ هل كنت جارا له؟


يقول الإمام ابن قدامة -رحمه الله تعالى- (وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا -وهي مسيرة يومين قاصدين- وكان مباحا, فله قصر الرباعية خاصة إلا أن يأتم بمقيم أو لا ينوي القصر أو ينسى صلاة حضر فيذكرها في السفر أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام, وللمسافر أن يتم والقصر أفضل ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن لم يجمع على ذلك قصر أبدا )


أولا: مسافة القصر

وهي المسألة الأولى التي أشار إليها المؤلف بقوله (وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا وهي مسافة يومين قاصدين)

المؤلف يشترط في السفر الذي تقصر فيه الصلاة أن تكون المسافة فيه ستة عشر فرسخا، بعض الفقهاء يقول أربعة بُرُد, والبريد أربعة فراسخ, أربعة في أربعة ستة عشر فرسخاً, والفرسخ الواحد ثلاثة أميال, فالمجموع اثنان وأربعون ميل يعني المسافة ثمانية وأربعون ميلاً, والميل يساوي واحد فاصل ستين من الكيلو[الميل=1.6كيلو]

فيكون طول المسافة بالكيلومتر [76.8كيلو].

ولهذا نجد الفقهاء -رحمهم الله تعالى- المعاصرين يقولون: إن مسافة القصر ثمانين كيلومتر تقريباً.

وهذا القول الأول : الذي ذكره المؤلف هو رأي الأكثرية من الفقهاء وهو المذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة.

واستدلوا على ذلك بأدلة متعددة منها ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان» وثبت عن ابن عباس وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهم- أنهما كانا لا يقصران في أقل من هذه المدة، والحديث لا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم

ولكن صح عن ابن عمر وابن عباس من فعلهما ومن قولهما يعني صح موقوفاً عليهما أنهما لا يقصران في أقل من أربعة برد وكما جاء مثل ما بين مكة إلى عسفان.

القول الثاني في المسألة: وهو مذهب الإمام أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- أن المسافة تقدر بمسيرة ثلاثة أيام -عند الجمهور مسيرة يومين قاصدين- وعند الإمام أبي حنيفة وهو مذهب الحنفية أن المسافة مسيرة ثلاثة أيام يعني ثلاث مراحل بدل مرحلتين يعني حوالي 120 كيلومترا .

القول الثالث في المسألة: عدم تحديد المسافة بمسافة محددة بل يرجع إلى العرف فما عدَّه الناس سفرا فإنها تقصر فيه الصلاة, وما لم يعدوه سفرا فلا تقصر فيه الصلاة، ذهب إلى هذا القول جماعة من أهل العلم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وقالوا إن التقدير لم يرد في نصوص الشرع، بل إن نصوص الشرع فيما يتعلق بالقصر في السفر مطلقة فتبقى على إطلاقها وعليه فيرجع إلى العرف فما عده الناس سفرا فإنها تقصر فيه الصلاة وما لا يعدونه سفرا فإنها لا تقصر فيه الصلاة.

والخلاف فيها هذه المسألة سائغ وطويل ولا إنكار فيه على المخالف فمن أخذ بهذا أو بهذا وقلد إمامه في مذهبه فلا حرج ولا إنكار بل الأمر فيه سعة والحمد لله.

ثانيا : سفر المعصية

هذه المسألة التي قال عنها المؤلف (وإذا كانت مسافة سفره ...... وكان مباح )

والسفر أقسام:

- سفر الطاعة: السفر للحج والسفر للعمرة, والسفر لزيارة الأهل والأقارب وصلة الرحم إلى آخره هذا من أسفار الطاعة, السفر أيضا لطلب العلم, وهناك سفر واجب وهو أيضا من سفر الطاعة السفر للحج الواجب، والعمرة الواجبة.

- سفر مباح: مثل السفر للنزهة أو للتجارة أو ما أشبه ذلك.

- سفر محرم للمعصية مثل السفر من أجل قطع الطريق, السفر من أجل فعل الزنى أو من أجل شرب الخمر.

فيشترط في السفر الذي يترخص فيه -الذي تقصر فيه الصلاة الذي يمسح فيه على الخفين ثلاثة أيام بلياليها الذي يفطر فيه الصائم وهكذا , أن يكون سفر طاعة أو سفر مباح

والدليل قوله تعالى : ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ﴾. وقالوا إن المعاصي لا تبيح الأخذ بالرخص وإنما الرخصة لمن أطاع لا لمن عصى.


الشروع في السفر

قال رحمه الله (فله قصر الرباعية خاصة) الذي يقصر من الصلاة ثلاث صلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة العشاء أما صلاة المغرب فلا تقصر؛ لأنها وتر النهار, وأما صلاة الفجر فلأنها ركعتان؛ ولهذا يذكر بعض الفقهاء من شروط القصر أن تكون الصلاة رباعية وعليه فلا تقصر المغرب والفجر.الشروط التي يذكرونها شروعه في السفر الشروع في السفر يعني بعبارة أخرى مفارقة البلد أو محل الإقامة والخروج من البلد، الخروج الفعلي من البلد فإذا خرج فعلا من البلد فله حينئذ القصر

حكم القصر

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن القصر سنة مؤكدة وهو ما مشى عليه المؤلف رحمه الله تعالى وهو الراجح إن شاء الله تعالى,

وقال أبو حنيفة القصر واجب.

والأحاديث كثيرة منها (كان- صلى الله عليه وسلم- إذا سافر صلى ركعتين ولم يحفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى تماما في السفر قط) لم يحفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى الظهر والعصر والعشاء أربعا في سفر قط بل كان يصلى ركعتين في كل أسفاره وهكذا صحابته -رضوان الله تعالى عليهم- كما قال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- (صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يزيدون على ركعتين في السفر) [متفق عليه]

وفي حديث عائشة (أول ما فرضت الصلاة ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر ركعتين) والمسلمون مجمعون على هذا، فحكم القصر سنة مؤكدة ولهذا ينبغي للمسلم ويتأكد عليه أن يحرص على اتباع السنة في ذلك وأن يحرص على القصر في السفر، اتباعا لسنة محمد -صلى الله عليه وسلم.

مسائل يتردد فيها الحكم بين القصر والإتمام

قال المؤلف: (إلا أن يأتم بمقيم أو لا ينوي القصر أو ينسى صلاة حضر فيذكرها في السفر أو صلاة السفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام).

هذه هي المسائل يتردد فيها الحكم بين القصر والإتمام, هل يقال فيها بالإتمام أو يقال فيها بالقصر؟.

المسألة الأولى: أن يأتم المسافر بالمقيم: يعني الإمام مقيم والمأموم مسافر. عندنا إمام مقيم ومأموم مسافر فصلاته قصرا فهل يجب على المأموم أن يتابع الإمام ويتم أو له القصر.

الحكم في هذه الحالة أو في هذه المسألة أنه يجب على المأموم أن يتم الصلاة مع الإمام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وهذا المأموم ائتم بهذا الإمام المقيم فعليه أن يأتم به فعلا وأن يتم الصلاة كما أن الإمام يتم.

سئل ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- عن المسافر يأتم بالمقيم فأجاب «عليه الإتمام» ولما سئل قال: «تلك السنة» يعني تلك سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

المسألة الثانية: ألا ينوي القصر قال (أو لا ينوي القصر عند الإحرام بالصلاة فعليه الإتمام)

وفي هذه المسألة لدينا ثلاث احتملات أو ثلاث صور :

الصورة الأولى: أن ينوى الإتمام عند الإحرام للصلاة وحينئذ فيتم؛ لأنه نوى الإتمام.

الصورة الثانية: أن ينوي القصر فعلاً وحينئذ فيقصر.

الصورة الثالثة: أن يغفل عن النية وهذا يرد كثيراً, تجد الإنسان مسافر وفي الطريق ثم يسمع الإقامة الله أكبر الله أكبر

فيدخل في الصلاة ويقول: الله أكبر ويذهل أو يغفل عن النية ثم بعدما يصلى ركعة أو جزء من الصلاة يتذكر ي

أنه لم ينو القصر. ولم ينو الإتمام أيضا ، هو ذهل عن هذا وهذا!

فهل نقول يجب عليه الإتمام أم له الحق في القصر؟

هذا محل خلاف.

المؤلف: مشى على أنه يتم قال (أو لا ينوي القصر) يعني عند تكبيرة الإحرام (فيجب عليه الإتمام).

والقول الثاني في المسألة: أنه يقصر؛ لأن الأصل في صلاة المسافر هو القصر وكما أن المقيم لا يلزمه أن ينوي عند إحرام الصلاة نية الإتمام فكذلك المسافر لا يلزمه عند الإحرام أن ينوي نية القصر؛ لأن الأصل في صلاة المسافر القصر والأصل في صلاة المقيم أو الحاضر الإتمام وهذا القول قوي جدا ولهذا لعل هو الأرجح .

المسألة الثالثة والرابعة: قال: (أن ينسى صلاة حضر فيذكرها في السفر أو ينسى صلاة سفر فيذكرها في الحضر) والعكس يعني ينسى صلاة السفر فيذكرها في الحضر في هاتين المسألتين يجب عليه الإتمام تغليبا لجانب الحضر؛ لأنه في المسألة الأولى الصلاة المنسية هي صلاة حضر هي تمام هي أربع وفي الصور الثانية عكسها يعني لما ذكرها كان في الحضر فيجب عليه الإتمام تغليبا لجانب الحضر.

مسائل أخرى :

- إذا دخل عليه الوقت ثم سافر قبل أداء الصلاة .

مثال: لو خرج الإنسان من بيته وركب السيارة وفي الطريق أذن المؤذن وهو ما زال في أحد شوارع المدينة وخرج وهو مازال في الوقت وتوقف بعد ما فارق البلد بثلاثين كيلو أو عشرين كيلو وتوقف لأداء الصلاة -ما زال في الوقت- هل يصليها قصراً باعتبار الحال الآن, أو يصليها إتماما باعتبار أنه دخل الوقت عليه وهو ما زال في الحضر


الأرجح في هذه المسألة وهو الذي أفتى به الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أنه يقصر؛ لأنه ما زال في الوقت والصلاة بالنسبة له أداء الآن ليست قضاءً وعلى هذا له أن يقصر في هذ الحالة.

قال (والقصر أفضل) مشى على مذهب الجمهور أن القصر سنة مؤكدة وليس بواجب وهذا هو الأرجح كما سبق.

وهنا نشير إلى الفرق بين القصر والجمع :

الذي ذكرناه في الأسبوع الماضي

1- القصرسنة مؤكدة , أما الجمع فهو رخصة يستحب تركه ولايفعل إلا أذا كان له سبب من الأسباب التي ذكرنها.

2- القصر لايكون إلا في السفر اما الجمع فيفعل في الحضر أيضا كما في حالة المريض وفي المطر ونحو ذلك.


مـدة الإقامـة

قال (ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم, وإن لم يجمع على ذلك قصر أبد)

هذه المسألة هي مسألة: مدة الإقامة التي إذا تجاوزها المسافر وجب عليه الإتمام.

قال المؤلف له: أربعة أيام فقط وما زاد عنها إذا كان ينوي أن يقيم في هذا البلد ما يزيد عن أربعة أيام فيجب عليه الإتمام وإذا كانت المدة أقل من أربعة أيام فله القصر.

- وقيل أربعة أيام ولا يحسب يوم الدخول ولا يوم الخروج وهو مذهب الشافعية.

- وقيل إذا نوى الإقامة أكثر من خمسة عشر يوماً أتم وما دون خمسة عشر يوماً له القصر وهذا هو مذهب الحنفية.

- وقيل تسعة عشر يوماً.

- وقيل بعدم التحديد بل المرجع إلى العرف فكل ما يطلق عليه سفر ولو جلس فيه المسافر مدة طويلة فإنه يقصر.

وهذه المسالة وهي مدة السفر ومثلها مسافة السفر التي ذكرناها قبل قليل من المسائل الخلافية الكبيرة والتي يسوغ فيها الخلاف وفيها سعة , أمن أخذ بأحد الاقوال وقلد فيها إماما أو عالما يثق بعلمه فلا إنكار فيها.


وقول الحنابلة - أربعة أيام أو عشرون صلاة أو إحدى وعشرون صلاة - أحوط خروجا من الخلاف , لأن الترجيح صعب في هذه المسألة.


هناك حالات لا يدري المسافر متى تنتهي حاجته يعني معلق بانقضاء حاجة معينة كما ورد عن ابن عمر أنه جلس في أذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال المطر بينه وبين طريقه؛ ولهذا قال المؤلف (وإن لم يجمع على ذلك قصر أبد) يعني وإن لم ينو الإقامة إقامة مدة معينة أو مدة محددة وإنما أمره معلق بانقضاء حاجته فإنه يقصر ولو طالت المدة.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

انتهى باب صلاة المسافر ويليه باب صلاة الخوف.


هناك ٣ تعليقات:

م/ الحسيني لزومي يقول...

تقبل الله منا ومنكم
وكل عام وانتم بخير

اصحى يا نايم يقول...

ربنا يتقبل هذا المجهود

أبوعمر يقول...

تقبل الله منا ومنكم جميعا
وكل عام وأنتم بخير