الثلاثاء، يونيو ١٧، ٢٠٠٨

عقيدة -32 الإيمان بالرسل (1)

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين

الإيمان بالرسل

ونؤمن بأن الله تعالى بعث إلى خلقه رسلاً )رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (سورة النساء: من الآية 165).

الرسل: (من البشر) رجال أوحى الله إليهم بشرع و أمرهم بتبليغه (إلى البشر)، و ليس لهم من خصائص الربوبية و الألوهية شيء، و قد وصفهم الله تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم...

و الإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:

الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى؛ فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع... و هو موضوع هذا الدرس.

الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، و أما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالا. كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.

الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.... كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.

الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، و هو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس.... كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.

حقيقة الرسالة و النبوة

دعونا نطرح بعض التساؤلات:

س: كيف يصير البشر رسولا أو نبيا؟ و ما الفرق بين النبي و الرسول؟

ج: النبوة و الرسالة اصطفاء خالص من عند الله يختص به من يشاء من عباده، وليست شيئاً يكتسبه العباد من ذات أنفسهم بعمل يعملونه من جانبهم.

فكل الأعمال هي في أصلها موهبة من الله، و هي فيما تنتهي إليه كسب يكسبه البشر بجهد يبذلونه و تحصيل يكدون فيه و يكدحون.

أما الرسالة و النبوة فموهبة و منحة من الله ذات طبيعة مختلفة؛ إنه لا يد للإنسان فيها و لا كسب و لا اختيار، إنما هى اصطفاء خالص من الله سبحانه وتعالى لعبد من عباده، يجتبيه و ينعم عليه و يبعثه بالهداية إلى الناس: (الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير) (الحج:75).

و هذا لا ينفي حقيقة أن الذين يصطفيهم الله ليكونوا رسلاً و أنبياء هم خيار الناس و أفضلهم: (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) (ص:47).

و الأنبياء أنفسهم يتفاوتون في مراتبهم: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) (البقرة:253).

و لكن النبوة فى حد ذاتها مرتبة فوق مراتب البشر العاديين؛ فهم بشر فيما يتعلق بالأمور العادية، و لكنهم ينفردون بهذه الخاصية الفريدة و هي تلقي الوحي من عند الله، و إرسالهم للناس ليبلغوهم ما أوحى الله به إليهم من الهدى و التبيان: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (الأنبياء:25).

و الفرق بين الرسول و النبي هو أن: الرسولَ مَنْ أُوحي إليه بشرع جديد، و النبيَّ هو المبعوث لتقرير شرع من قبله... فسمي الرسول رسولا؛ لأنه ذو رسالة.

س: ما هو الوحي؟ و كيف يحدث؟

ج: الوحي هو إخبار و إعلام الله من اصطفاه من عباده كلَّ ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية و العلم، بطريقة سرّية خفيّة، غير معتادة للبشر.

أما مقامات وحي الله إلى رسله: فيقول الله سبحانه وتعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحى بإذنه ما يشاء إنه على حكيم) (الشورى:51).

المقام الأول: وحي يلقى في النفس مباشرة فتعرف أنه من الله، و يسمى ذلك أيضاً بالإلهام و منه رؤى الأنبياء كرؤيا سيدنا إبراهيم أنه يذبح ولده إسماعيل.

المقام الثاني: من وراء حجاب، كما كلم الله موسى عليه السلام، و كلّم الله عبده و رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى السماء...

المقام الثالث: يرسل الله الملك المكلف بالوحي (و هو جبريل) فيوحي إلى الرسول ما يشاء بطريقة من الطرق التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الأولى : ما كان يلقيه الملك في روع الرسول و قلبه دون أن يراه.

الثانية : أن يتمثل الملك للرسول في صورة رجل فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول.

الثالثة : أن يأتيه فى صورة صلصلة الجرس. و كان أشده عليه حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً فى اليوم الشديد البرد، و حتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إن كان راكبها.

الرابعة : أن يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، و هذا وقع للرسول محمد صلى الله عليه وسلم مرتين.

س: ما الدليل على صدق الرسل و بأي شيء أيدهم الله تعالى؟

ج- أيدهم الله بالدلالة الباهرة الدالة على صدقهم في دعواهم الرسالة (و هي ما يسمى بالمعجزة)، مع انضمام ذلك إلى أحوالهم الجليلة و أخلاقهم السامية من الصدق و الأمانة و الحلم و الرشد و سلامة الفطرة و العفاف و الكرم و الشجاعة و العدل و النصح و المروءة التامة ... إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة الدالة لمن تأملها أن ما جاءوا حق و صدق لا شك فيه.

و المعجزة: شيء خارق لمألوف البشر يأتي به النبي المرسل من عند الله و يتحدى الناس أن يأتوا بمثله فيعجزون عن ذلك، فيكون هذا دليلاً على أنه مرسل من عند الله حقاً و ليس قائماً بدعوى كاذبة من عند نفسه.

و قد كان كل نبي يأتي بمعجزة من جنس ما اشتهر به قومه ليكون التحدي في الصميم، و يكون تأثيرها حاسماً في نفوس من تتنزل عليهم. فقد كان المصريون بارعين فى السحر، و كان كهنة المعابد الفرعونية متخصصين فيه، لذلك أرسل الله موسى بمعجزة من جنس ما اشتهر به أولئك السحرة، ليبطل سحرهم و يتبدى الفرق بين ما يقدر عليه البشر و ما يقدر عليه خالق البشر....

و لقد كانت معجزات الرسل كلهم من قبل معجزات حسية و كونية تتعلق بالسنن الجارية في الكون و تخرقها، أما معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي معجزة عقلية معنوية جامعة، و ليست معجزة حسية و لا كونية، و إن للرسول صلى الله عليه وسلم معجزات أخرى حسية و كونية كالإسراء و المعراج و انشقاق القمر ...إلخ و لكن المعجزة الكبرى التي وقع بها التحدي، و التي بقيت على الزمن و خوطبت بها البشرية كلها هي القرآن.

*****

و الله أعلم.

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك.

يتبع إن شاء الله الدرس القادم تفصيل الإيمان بالرسل.

هناك تعليقان (٢):

بنت الصالحين يقول...

ماشاء الله

جزاكم الله خيرا
شرح بسيط وسهل

في ميزان حسناتكم باذن الله

محمد عبد المنعم يقول...

و جزاك الله خيرا
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع