الأحد، مايو ١١، ٢٠٠٨

عقيدة -29 الإيمان بأخبار الكتب (ملحق 2)

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين – هذا الملحق و الذي قبله بحث مختصر عن البشارات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم و بعثته في التوراة و الإنجيل... بناء على طلب عزيز من أخي في الله و أستاذي الفاضل حازم... نفعنا الله بها..

الإيمان بأخبار الكتب (ملحق 2)

أولا: من البشارات في التوراة (العهد القديم) –تابع لما قبله-:

== فصل ==

البشارة السادسة:

في سفر أشعياء: "وحي من جهة بلاد العرب، في الوعر في بلاد العرب تبتين يا قوافل الددانيين. هاتوا ماء لملاقاة العطشان. يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول و من أمام القوس المشدودة، و من أمام شدة الحرب، و إنه هكذا قال لي السيد: في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد و بقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم" (سفر أشعياء الإصحاح (21) فقرة: (13)).

الدادنيون اسم قديم لبعض القبائل العربية، و قيدار اسم لأحد آباء قريش (هو ولد إسماعيل عليه السلام الذي تشعبت منه قبائل العرب)، و سكان أرض تيماء إشارة إلى أهل المدينة، و الهاربون هم المهاجرون من مكة إلى المدينة، و النص كله يشير إلى نزول الوحي جزيرة العرب و اضطهاد المؤمنين و هجرتهم إلى المدينة و وقوع معركة بدر بعد سنة من الهجرة و ضياع مجد الكفار من قريش و مقتل عدد من أبطالهم في المعركة.

== فصل ==

ثانيا: من البشارات في الإنجيل (العهد الجديد):

البشارة الأولى:

يوحنا صاحب رابع الأناجيل: يذكر هذه البشارات في مواضع متعددة من إنجيله....

فيروي عن المسيح عليه السلام "الذى لا يحبنى لا يحفظ كلامى، و الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني. بهذا كلمتكم و أنا عندكم. و أما المعزّي (اسم فاعل من الفعل عزّى) الروح القدس، الذى سيرسله الأب باسمى فهو يعلمكم كل شىء و يذكركم بما قلته لكم" (الإصحاح (14) الفقرات (24 ـ 26)).

كما يروي يوحنا قول المسيح ـ الآتي ـ مع تلاميذه: "إنه خير لكم أن انطلق، إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، و لكن إن ذهبت أرسله إليكم، و متى جاء ذاك يبكـّت العالم على خطية، و على برّ و على دينونة" (الإصحاح (16) الفقرتان (7 ـ8)).

و في بعض النسخ: "يوبخ العالم على خطيئته، و يعلم الناس جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع من عند الله".

و يروي كذلك قول المسيح لتلاميذه: "و أما إذا جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، و يخبركم بأمور آتية"..؟! (الإصحاح (16) الفقرة (13)).

كذلك في إنجيل يوحنا في النسخ القديمة: "إن المسيح قال للحواريين: إني ذاهب و سيأتيكم الفارقليط روح الحق، لا يتكلم من قبل نفسه، إنما هو كما يقال له، و هو يشهد علي و أنتم تشهدون؛ لأنكم معي من قبل الناس" (إنجيل يوحنا الإصحاح (14) فقرة (15)، و بعضهم يقول (البارقليط) انظر تحفة الأريب (ص:267)، وانظر هداية الحيارى لابن القيم (ص:115) فإنه يسميه الفارقليط، و الخلاف يسير و إنما حدث بسبب الترجمة).

و في بعض النسخ يضاف إلى هذه العبارة "من لا أستحق أن أحلّ سيور حذائه".. يعني: هو أعظم مني بكثير، إلى درجة أنني لا أستحق أن أحلّ سيور حذائه، و ذلك من تواضع عيسى عليه السلام.

و يأتي وصفه: "يملأ الأرض نورا و عدلا".

إن المسيح في هذه البشارات كلها يقول:

إن ذلك المعزي أو الروح القدس لا يأتي إلا بعد ذهاب المسيح، و المسيح ـ نفسه ـ يقر بأن ذلك المعزي أو الروح أجلّ منه شأنا، و أعم نفعا و أبقى أثرا، و لذلك قال لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق. إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي".

ثم يصف المسيح ذلك المعزي أو الروح بأوصاف ليست موجودة في المسيح نفسه عليه السلام. و من تلك الأوصاف:

أـ إنه يعلم الناس كل شيء. و هذا معناه شمول رسالته لكل مقومات الإصلاح فى الدنيا والدين. وذلك هو الإسلام.

ب ـ إنه يبكت العالم على خطية. والشاهد هنا كلمة "العالم" و هذا معناه شمول الإسلام لكل أجناس البشر، عربا و عجما، فى كل زمان و مكان. و لم توصف شريعة بهذين الوصفين إلا الإسلام.

جـ ـ إنه يخبر بأمور آتية، و يذكـّـر بما مضى. و قد تحقق هذا في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

فروح القدس هذا، أو المعزي، أو روح الحق لا يمكن أن يكون عيسى؛ لأن عيسى لم يبشر بنفسه، و هو كان موجودا ساعة قال هذا و لا يمكن أن يكون المراد به نبيا بعد عيسى غير محمد (صلى الله عليه وسلم) لأننا متفقون على أن عيسى لم يأت بعده نبى قبل رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.

فتعين أن يكون روح القدس، أو المعزي، أو روح الحق تبشيرا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك الأوصاف، كما يتحقق فيه معنى " الأفضلية " إذ هو خاتم النبيين، الذى جاء بشريعة خالدة عامة...

بيد أن ابن القيم، وابن تيمية، كل منهما قد نقل عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصا فيها التصريح باسم"الفارقليط"!

كما أن الشيخ رحمت الله الهندى (رحمه الله) نقل فى كتابه (إظهار الحق) نصوصا (عن ترجمات عربية ترجع إلى أعوام: 1821 ـ 1831 ـ 1844م وتمت فى لندن):

وفى هذه الطبعات ـ اللندنية ـ ورد النص هكذا: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، و أنا أسأل الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع أن يقبله العالم؛ لأنه لم يره و لم يعرفه، أما أنتم فتعرفونه... و أما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء و يذكركم كل ما قلته لكم، قد سمعتم أني قلت لكم: إني ذاهب ثم آتي إليكم، فلو كنتم تحبوني لكنتم تفرحون بأني ماض إلى الآب؛ لأن الآب هو أعظم مني. و الآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون" (إنجيل يوحنا، الفصل 14\16-29 و في طبع الكاثوليكية: فيعطيكم معزيا بدل فارقليط).

(انظر كتاب " إظهار الحق " ص 528 للشيخ رحمت الله الهندى تحقيق الدكتور أحمد حجازى السقا. نشر دار التراث).

و مقارنة هذين النصين بالنص المقابل لهما الذي نقلناه آنفا عن إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة ترينا أن الطبعات الحديثة حذفت كلمة "الفارقليط" و وضعت مكانها كلمة "المعزي"، كما ترينا أن الطبعات الحديثة حذفت جملة: "ليثبت معكم إلى الأبد" و هو نص على خلود الإسلام...

يقول د. محمد توفيق صدقي في كتابه: (دين الله في كتب أنبيائه):

هذا اللفظ (الفارقليط) يوناني، و يكتب بالإنكليزية هكذا (Paraclete) أي (المعزي) و يتضمن أيضا معنى المحاجّ، كما قال بوست في قاموسه، و هناك لفظ آخر يكتب هكذا (Pericltee) و معناه: رفيع المقام، سام - جليل، مجيد، شهير، و هي كلها معان تقرب من معنى محمد و أحمد و محمود.

و لا يخفى أن المسيح كان يتكلم بالعبرية، فلا ندري ماذا كان اللفظ الذي نطق به الكلام، و لا ندري إن كانت ترجمة مؤلف هذا الإنجيل له بلفظ (Paraclete) صحيحة أو خطأ؟ و لا ندري إن كان هذا اللفظ هو الذي ترجم به من قبل أم لا؟ لأننا نعلم أن كثيرا من الألفاظ و العبارات وقع فيها التحريف من الكتاب سهوا أو قصدا كما اعترفوا به في جميع كتب العهدين، فإذا كان اللفظ الأصلي (بيرقليط) فلا يبعد أنه تحرف عمدا أو سهوا إلى (بارقليط) حتى يبعدوه عن معنى اسم النبي صلى الله عليه وسلم، و مما يسهل عليهم ذلك تشابه أحرف هذه الكلمة في اللغة اليونانية.

و على كل حال أيا كان معنى هذه الكلمة و أصلها، فمعنى كل منهما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم، فهو المعزّي: معزٍ للمؤمنين على عدم إيمان الكافرين، و على وجود الشر في هذا العالم بإيضاح أن هذه هي إرادة الله... و هو المحاجّ: فقد كان صلى الله عليه وسلم يحاجّ الكفار و المشركين و غيرهم. و العبارات في إنجيل يوحنا لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم (عن تفسير المنار لرشيد رضا 9 \ 264 - 265، وانظر بتفصيل واسع: إظهار الحق 548 وما بعدها، الجواب الصحيح 4 \ 6 وما بعدها هداية الحيارى 530، قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار 397- 398 وفيه شهادة المستشرق نللينو عن معنى الفارقليط، وتفسير المنار 6 \ 85، 9 \ 221 وما بعدها، الإعلام للقرطبي 268 - 269.).

فأيا كان المدار: فارقليط، أو باراكليتس، أو المعزي، أو الروح القدس فنحن لا نعول على الكلمة نفسها بقدر ما نعول على الأوصاف التى أجريت عليها.

== فصل ==

البشارة الثانية:

جاء في (إنجيل متى ) في الإصحاح الحادي والعشرين:

"قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو ذا قد صار رأس الزاوية، من قِبَل الرب كان هذا، هو عجيب في أعيننا.

لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله يُنزع منكم، و يعطى لأمة تعمل أثماره.

و من سقط على هذا الحجر يترضض، و من سقط هو عليه يسحقه ".

جاء في (صحيحي البخاري ومسلم) عن أبي هريرة و جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا ختم النبيين".

تأمل قول المسيح في البشارة (ألم تر إلى الحجر الذي أخره البناؤون صار رأساً للزاوية) و قوله (إن ذلك عجيب في أعيننا)؛ تجده مطابقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم!

وتأمل قوله فيها: (إن ملكوت الله سيؤخذ منكم، ويدفع إلى آخر) تجده مطابقا لقوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (الأنبياء: 105)، و قوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) (النور: 55)!

== فصل ==

البشارة الثالثة:

بشارات إنجيل برنابا:

و هذا الإنجيل الذي لا يعترف به النصارى، مع أنه يفوق الأناجيل الأخرى ثبوتا و قانونية - كما يقولون - يحتوي على بشارات كثيرة فيها التصريح باسم محمد صلى الله عليه وسلم و باسمه الشريف (أحمد)، و قد يستنكر الباحثون لذلك لكون البشارات عادة تكون بالكنايات والإشارات. و لكن لا داعي لهذا الاستغراب، فإن البشارات قد تكون إشارات و قد تكون صريحة بالاسم، و العريقون في الدين لا يرون مثل ذلك مستنكرا في خبر الوحي، و قد نقل الشيخ محمد بيرم عن رحالة إنجليزي أنه رأى في دار الكتب البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، و فيها يقول المسيح: "و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد" و ذلك موافق لنص القرآن بالحرف.

و لكن لم ينقل عن أحد من المسلمين أنه رأى شيئا من هذه الأناجيل التي فيها هذه البشارات الصريحة، فيظهر أن في مكتبة الفاتيكان من بقايا تلك الأناجيل و الكتب التي كانت ممنوعة في القرون الأولى، ما لو ظهر لأزال كل شبهة عن إنجيل برنابا و غيره (عن تفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا 9 \ 281، وانظر تقديمه للطبعة العربية من إنجيل برنابا، ترجمة خليل سعادة).

== فصل ==

و قد ألف العديد من العلماء و الدعاة كتبا جمعوا فيها النصوص من التوراة و الإنجيل، و غيرها من الكتب السابقة، التي تشهد على صدق نبوة نبينا، منهم:

إبراهيم خليل أحمد - ألف كتاب "محمد في التوراة و الإنجيل و القرآن".

و أحمد ديدات - ألف كتاب "ماذا تقول التوراة و الإنجيل عن محمد (صلى الله عليه وسلم) ".

و د. أحمد حجازي السقا - ألف كتاب "البشارة بنبي الإسلام في التوراة و الإنجيل" ذكر أكثر من 50 نصا في الإنجيل على البشارة بنبينا (صلى الله عليه وسلم).

و د. صلاح صالح الراشد - ألف كتاب "البشارات العجاب في صحف أهل الكتاب؛ 99 دليلا على وجود النبي المبشر به في التوراة و الإنجيل".

و في كتاب ابن القيم "هداية الحيارى في أجوبة اليهود و النصارى" فصل بعنوان "نصوص الكتب المتقدمة في البشارة بالنبي (صلى الله عليه وسلم)".

و كذا في كتاب ابن تيمية "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح".

و انظر أيضا مدونة الإسلام و العالم تحت عنوان: بشارات النبي الخاتم فى التوراة و الانجيل و القرآن...

== خاتمة ==

صدق الله العظيم إذ يقول: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) (البقرة:109)!

*****

و الله أعلم

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك

يتبع إن شاء الله الدرس القادم تفصيل الإيمان بالكتب.

هناك تعليق واحد:

أبوعمر يقول...

أحسنت أخي العزيز
بارك الله فيك
أسأل الله أن ينفع بك وأن يجزل لك الأجر