الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين
الإيمان بالبعث
قلنا إن الإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بالبعث و هو إحياء الموتى... و هو ما زال موضوع هذا الدرس.
الثاني: الإيمان بالحساب و الجزاء، فيحاسب العبد على عمله و يجازى عليه... كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.
الثالث: الإيمان بالجنة و النار و أنهما المآل الأبدي للخلق... كما سيأتي لاحقا إن شاء الله.
ما بعد الموت و قبل الــبــعــث
يطلق على المرحلة التي يمر بها الإنسان بعد هذه الحياة الدنيا عدة أسماء، منها: القيامة الصغرى، و البرزخ، و الموت. يقول ابن القيم: "الموت بعث و معاد أول؛ فإن الله جعل لابن آدم معادين و بعثين يجزي فيهما الذين أساؤوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فالبعث الأول: مفارقة الروح للبدن، و مصيرها إلى دار الجزاء الأول".
و الموت حتم لازم لا مناص منه لكل حي من المخلوقات، و هو حق على الإنس و الجن، ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (... أنت الحي الذي لا تموت والجن والإنس يموتون).
و للموت أجل محدد فلا يستطيع أحد أن يتجاوز الأجل الذي كتبه الله، وقد قدر الله آجال العباد، وجرى بذلك القلم في اللوح المحفوظ، وكتبته الملائكة الكرام والمرء في بطن أمه، فلا يتأخر المرء عما كتب له ولا يتقدم.
و للموت وقت مجهول؛ فلا علم للعباد بالوقت الذي يحضر فيه الموت، وينزل بهم، فإن علم ذلك لله وحده.
وما يحدث للميت حال موته لا نراه، و إن كنا نرى آثاره... ففي حال الاحتضار، فإن من حول الميت ينظرون إلى ما يعانيه من سكرات الموت، و إن كانوا لا يرون الملائكة التي تسلُّ روحه... نسأل الله حسن الخاتمة.
==فصل==
و يلتحق بالإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل:
أ- فتنة القبر: وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه ودينه ونبيه فيثبت الله الذي آمنوا بالقول الثابت فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ويضل الله الظالمين فيقول الكافر هاه هاه لا أدري. ويقول المنافق أو المرتاب لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
ب- عذاب القبر و نعيمه: فأما عذاب القبر فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين، قال الله تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم وأخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) و قال تعالى في آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدوا وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)، و في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه).
وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين قال الله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)، و قال تعالى: (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ، فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم) إلى آخر السورة.
وقال صلى الله عليه وسلم في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: (ينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره) رواه أحمد وأبو داود في حديث طويل.
==فصل==
وقد ضل قوم من أهل الزيغ فأنكروا عذاب القبر و نعيمه زاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفة الواقع، قالوا فإنه لو كشف عن الميت في قبره لوجد كما كان عليه و القبر لم يتغير بسعة و لا ضيق... و لقد قال الملحدون الجدد مثل قولهم.
و هذا الزعم باطل بالشرع و الحس و العقل:
أما دلالة الشرع على إمكان عذاب القبر ونعيمه فقد سبقت النصوص الدالة على ثبوته مما يلتحق بالإيمان باليوم الآخر. وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما و ذكر الحديث و فيه أن أحدهما كان لا يستتر من البول و أن الآخر كان يمشي بالنميمة.
أما دلالة الحس على إمكان عذاب القبر ونعيمه فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج يتنعم فيه أو أنه كان في مكان ضيق موحش يتألم منه وربما يستيقظ أحياناً مما رأى ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه. والنوم أخو الموت ولهذا سماه الله تعالى وفاة قال الله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليه الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى).
أما دلالة العقل على إمكان عذاب القبر ونعيمه فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته ومن رآه على صفته فقد رآه حقاً ومع ذلك فالنائم في حجرته على فراشه بعيداً عما رأى فإذا كان هذا ممكناً في أحوال الدنيا أفلا يكون ممكناً في أحوال الآخرة؟
و أما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كشف عن الميت في قبره لوجد كما كان عليه و القبر لم يتغير بسعة و لا ضيق، فجوابه من وجوه منها:
الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمل المعارض بها ما جاء به الشرع حق التأمل لعلم بطلان هذه الشبهات.
و قد قيل:
و كم من عائب قولاً صحيحاً و آفته من الفهم السقيم
الثاني: أن أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحس ولو كانت تدرك بالحس لفاتت فائدة الإيمان بالغيب و لتساوى المؤمنون بالغيب و الجاحدون في التصديق بها.
الثالث: أن العذاب و النعيم وسعة القبر و ضيقه إنما يدركها الميت دون غيره و هذا كما يرى النائم في منامه أنه في مكان ضيق موحش أو في مكان واسع بهيج و هو بالنسبة لغيره لم يتغير منامه هو في حجرته وبين فراشه وغطائه. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه وهو بين أصحابه فيسمع الوحي ولا يسمعه الصحابة وربما يتمثل له الملك رجلاً فيكلمه والصحابة لا يرون الملك ولا يسمعون.
الرابع: أن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله تعالى من إدراكه ولا يمكن أن يدركوا كل موجود فالسماوات السبع والأرض ومن فيهن وكل شيء يسبح بحمد الله تسبيحاً حقيقياً يسمعه الله تعالى من شاء من خلقه أحياناً ومع ذلك هو محجوب عنا وفي ذلك يقول الله تعالى: (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) وهكذا الشياطين والجن يسعون في الأرض ذهاباً وإياباً وقد حضرت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا لقراءته وأنصتوا وولوا إلى قومهم منذرين ومع هذا فهم محجوبون عنا وفي ذلك يقول الله تعالى: (يا بني آدم لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) وإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود فإنه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب و لم يدركوه.
*****
و الله أعلم.
سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك.
يتبع إن شاء الله الدرس القادم تفصيل الإيمان باليوم الآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق