الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين
الإيمان بالله – آيات سورة الحشر
ونؤمن بأنه (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر: 22 - 24).
تفسير الآيات
هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على كثير من أسماء الله الحسنى التي عليها مدار التوحيد و الاعتقاد، فأخبر أنه المألوه الذي لا يستحق العبادة سواه؛ و ذلك لكماله العظيم، و إحسانه الشامل، و تدبيره العام، و حكمته الشاملة، فهو الإله الحق، و ما سواه فعبوديته باطلة، لأنه خال من الكمال و من الأفعال التي فيها النفع و الضر.
و تجيء تلك التسبيحة المديدة بأسماء الله الحسنى؛ و كأنما هي أثر من آثار القرآن في كيان الوجود كله، ينطلق بها لسانه و تتجاوب بها أرجاؤه، و هذه الأسماء واضحة الآثار في صميم هذا الوجود و في حركته و ظواهره، فالكون إذ يسبح بها يشهد كذلك بآثارها ...
هو الله الذي لا إله إلا هو فتتقرر في الضمير وحدانية الاعتقاد، و وحدانية العبادة، و وحدانية الاتجاه، و وحدانية الفاعلية من مبدأ الخلق إلى منتهاه، و يقوم على هذه الوحدانية منهج كامل في التفكير و الشعور و السلوك، و ارتباطات الناس بالكون و بسائر الأحياء، و ارتباطات الناس بعضهم ببعض على أساس وحدانية الإله.
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وصف نفسه بالعلم المحيط بما حضر و غاب، و ما مضى و ما يستقبل و ما هو حاضر، و ما في العالم العلوي و ما في العالم السفلي، و ما ظهر و ما بطن، فلا تخفى عليه خافية في مكان من الأمكنة، و لا زمان من الأزمنة. و من كمال علمه و قدرته أنه يعلم ما تنقص الأرض من الأموات، و ما تفرق من أجزائهم، و ما استحال من حال إلى حال؛ أحاط علما بذلك على وجه التفصيل، فلا يعجزه إعادﺗﻬم للبعث و الجزاء.
و الغيب هو كل ما غاب عن الإنسان، و المراد بالغيب هنا: الغيب المطلق؛ لأن الغيب نوعان: غيب نسبيّ (يختص بعلمه من لم يكن غيبا عنده – كحديث نفسك لا يعلمه من بجوارك) و غيب مطلق (يختص الله وحده بعلمه)
فيستقر في الضمير الشعور بعلم الله للظاهر و المستور. و من ثم تستيقظ مراقبة هذا الضمير لله في السر و العلانية، و يعمل الإنسان كل ما يعمل بشعور المراقَب من الله المراقِب لله: الذي لا يعيش وحده، و لو كان في خلوة أو مناجاة ! و يتكيف سلوكه بهذا الشعور الذي لا يغفل بعده قلب و لا ينام !
== فصل ==
من ادعى معرفة الغيب كافر .. لأنه مكذب بقوله تعالى: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، و لا يدخل في ذلك من يتخرّص أو يتنبأ بشيء يحصل غدا بناء على بعض المعطيات و الأحوال، لكن لو جزم بحصوله و ادعى أنه يعلم الغيب كما يعلم الشهادة ... فهذا كذب و تكذيب للقرآن
== فصل ==
و وصف نفسه بأنه الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ فهو ذو الرحمة الذي وسعت رحمته الخليقة بأسرها، وملأت الوجود كله؛ قال تعالى: (وربك الغني ذو الرحمة)، و قال تعالى: (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون)...
فيستقر في الضمير شعور الطمأنينة لرحمة الله و الاسترواح، و يتعادل الخوف و الرجاء ...
== فائدة ==
كما سبق في أنواع الصفات العليا، فالرحمة: -باعتبارها وصفاًََ لله- صفة ذاتية ... أي أنها من الصفات اللازمة أبداًَ و أزلاًَ ...
و هي -باعتبار تعلقها بالمرحوم- صفة فعلية
== فصل ==
هو الله الذي لا إله إلا هو... يعيدها في أول التسبيحة التالية، لأنها القاعدة التي تقوم عليها سائر الصفات.
ثم وصف نفسه بأنه الْمَلِكُ، و هو الذي له الملك التام المطلق، له صفات الملك التي هي نعوت العظمة و الكبرياء و العز و السلطان، و له التصرف المطلق في جميع الممالك، الذي لا ينازعه فيه منازع، و الموجودات كلها عبيده و ملكه، ليس لهم من الأمر شيء .... فالمَلِك: ذو المُـلك المتضمن للسيطرة الكاملة و السلطان التام ...
فيستقر في الضمير أن لا ملك إلا الله الذي لا إله إلا هو، و إذا توحدت الملكية لم يبق للمملوكين إلا سيد واحد يتوجهون إليه، و لا يطيعون غيره... فالعبد لا يخدم سيدين في وقت واحد (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). .
و أخبر أنه الْقُدُّوسُ السَّلامُ أي: المقدّس المعظم، السالم من جميع العيوب و النقائص المنافية لكماله...
فالقدوس: المتطهر.. المطهر عن كل عيب و كل نقص ... و هو اسم يشع القداسة المطلقة و الطهارة المطلقة . و يلقي في ضمير المؤمن هذا الإشعاع الطهور، فينظف قلبه هو و يطهره، ليصبح صالحا لتلقي فيوض الملك القدوس، و التسبيح له و التقديس .
و السلام: السالم من كل نقص حقيقي أو متوقع أو وهمي، و هو اسم كذلك يشيع السلام و الأمن و الطمأنينة في جنبات الوجود، و في قلب المؤمن تجاه ربه . فهو آمن في جواره، سالم في كنفه، و حيال هذا الوجود و أهله من الأحياء و الأشياء، و يؤوب القلب من هذا الاسم بالسلام و الراحة و الاطمئنان، و قد هدأت شرته و سكن باله...
و في الحديث الذي رواه البخاري و غيره (قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان و فلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، و لكن قولوا: التحيات لله، و الصلوات و الطيبات، السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته، السلام علينا و على عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء -أو بين السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده و رسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعوه)
الْمُؤْمِنُ: لها معنيان: المعنى الأول: يُؤَمِّن من عذابه من لا يستحق العذاب بمعنى مُؤَمِّـن ...مشتقة من الأمان، و المعنى الثاني: المُصَدِّق لرسله و أنبيائه بما جاؤوا به من الآيات و البراهين و الحجج... مشتقة من الإيمان، و كلا المعنيين حق لله: فهو واهب الأمن و واهب الإيمان، و لفظ هذا الاسم يشعر القلب بقيمة الإيمان، حيث يلتقي فيه بالله، ويتصف منه بإحدى صفات الله . و يرتفع إذن إلى الملأ الأعلى بصفة الإيمان .
المهيمن: ذو السيطرة و الحكم على كل من عداه ... و هو اسم يوحي بالسلطان و الرقابة.
الْعَزِيزُ: الذي له العزة جميعا: عزة القدر و الشرف و السيادة، و عزة القهر و الغلبة لكل مخلوق؛ فكلهم نواصيهم بيده، و ليس لهم من الأمر شيء، و عزة الامتناع ... ممتنع في حقه كل نقص، و لا يُعارَض و لا يُمانَع، و ليس له ندّ و لا ضدّ
الْجَبَّارُ: صيغة مبالغة من الجبر و هو:
· جبر: بمعنى الجبروت: وهو القوة و العظمة، فالله قاهر لجميع المخلوقات تدين له الموجودات
· جبر: بمعنى جبر الكسير: فكم من كسير جبره الله! و قد جبر بلطفه و إحسانه القلوب المنكسرة
· جبر: بمعنى العلو: فالله عليّ متعالٍ على مخلوقاته
و كل هذه المعاني حق لله.
الْمُتَكَبِّرُ: عن النقائص و العيوب، و عن مشاﺑﻬة أحد من خلقه، و مماثلتهم لعظمته و كبريائه
و المتكبر: ذو الكبرياء
...
فـ (العزيز . الجبار . المتكبر)... صفات توحي بالقهر و الغلبة و الجبروت و الاستعلاء...
== فائدة ==
أما المعنى الآخر لكلمة المتكبر: فهو مُصطنِـع الكِبر، و ليس هو المراد في حق الله سبحانه ... قال تعالى: (وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) و هذا الوصف بالنسبة له حق ... لكن بالنسبة للمخلوق باطل؛ لأن المخلوق أذلّ و أقلّ و أضعف من أن يتكبر؛ فالكبرياء له عز و جل ... و في الحديث الذي رواه مسلم و غيره (عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة . قال : إن الله جميل يحب الجمال . الكبر بطر الحق وغمط الناس)
== فصل ==
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ: وهذا تـنـزيه عام عن كل ما وصفه به من أشرك به و لم يقدره حق قدره، فهو عال عليها عز وجل منزه عن أن يكون مثلها
*****
و الله أعلم
سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك
يتبع إن شاء الله الدرس القادم تفصيل الإيمان بأسماء الله و صفاته
هناك ٣ تعليقات:
بارك الله فيكم ؛
وجزاكم خيراااا
ربنا يبارك في حضرتك و يجزيك بمثل
إرسال تعليق