الأحد، سبتمبر ٠٢، ٢٠٠٧

عقيدة -2 الإيمان بربوبية الله

الحمد لله و صلى الله وسلم و بارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تنبيه أول: سوف يستخدم اللون الأخضر لكلام المؤلف رحمه الله والألوان الأخرى للشرح

تنبيه ثان: ينبغي على من يقرأ أن يهتم جدا بقراءة الآيات والأحاديث حتى لو كان يحفظها أو مرت عليه مرارا وهذا من أهم قواعد التلقي

و قد نبه رحمه الله على أن طريقته في هذا المختصر في العقيدة أن يكون النص هو المصدر

الإيمان بالله – أولا: الإيمان بربوبية الله

فنؤمن بربوبية الله تعالى، أي بأنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور.

.....

ونؤمن بوحدانيته في ذلك، أي بأنه لا شريك له في ربوبيته....

التوحيد لغة مصدر وحَّد يوحِّد، أي جعل الشيء واحداً وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحَّد (بفتح الحاء المشددة) وإثباته له

فالتوحيد له ركنان: نفي و إثبات

و النفي عَدَمٌ محض – مثال: لا قائمَ في البيت: فهذا معناه عدم وجود أي إنسان قائم في البيت

و الإثبات لا يمنع المشاركة – مثال: فلان قائم في البيت: فهذا لا يمنع وجود من هو قائم في البيت غير فلان

لكن قولنا: لا قائمَ في البيتِ إلا فلانٌ، فهو إثبات قيام فلان و نفي قيام أحد سواه

و هو توحيد فلان بالقيام في البيت

فنقول: إنه لا يتم للإنسان توحيد الله حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده.

التوحيد اصطلاحا هو: "إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به".

و أنواع التوحيد ثلاثة كما أسلفنا... نبدأ مع أولها...

توحيد الربوبية

معنى توحيد الربوبية: الإيمان بانفراد الرب -سبحانه وتعالى- بكل معاني الربوبية، فالإيمان بالله -عز وجل- رباً هو اعتقاد أن الله -عز وجل- منفرد بمعانٍ ثلاثة أساسية:

الأول: الخلق والرزق والتدبير.

الثاني: المِلك والمُلك التام.

== فائدة ==

صاحب المِـلك هو المالك و المِـلك يقـتضي أن يكون هناك شيء مملوك و يقتضي الانفراد بالتصرف فيه دون ممانعة من أحد، و صاحب المُـلك هو المَـلِـك و المُـلك لا يقـتضي أن يكون هناك شيء مملوك و لكنه يقـتضي الأمر و العظمة و السلطة و سعة المقـدرة...

فالله هو المالك فهو يتصرف في العالم العلوي و السفلي التصرف التام المطلق بالأحكام القدرية (الكونية)، والأحكام الشرعية، وأحكام الجزاء، و هو المالك المطلق في الدنيا و الآخرة

و الله هو المَـلِـك فآثار ملكه و عظمته و سعته، و خضوع الخلائق كلها لعظمته و كبريائه، و نفوذ أحكامه على الخلق على اختلاف طبقاﺗﻬم - هذه الآثار مما يعرف به كمال ملكه، و عظمة سلطانه.

الثالث: الأمر والنهي والسيادة.

نؤمن بربوبيته... و بوحدانيته في ذلك....أي أنه لا شريك له في ربوبيته

الأدلة النقلية (و تسمى السمعية كذلك؛ و هي نصوص الكتاب و السنة) على ذلك كثيرة جدا، منها:

هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) – فاطر

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) - يونس

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) – الملك

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) - الفاتحة

أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) – الأعراف

و فيما أخرج البخاري و مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو الصادق المصدوق: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه المـَلـَك، فيؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، و أجله، و عمله، و شقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح....)

و الأدلة العقلية كذلك كثيرة جدا، منها:

ما جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) - الطور، فإن الإنسان لم يخلق نفسه لأنه قبل وجوده عدم و العدم ليس بشيء و ما ليس بشيء لا يوجـِد شيئاً، و لم يخلقه أبوه و لا أمه و لا أحد من الخلق، و لم يكن ليأتي صدفة بدون موجـِـد؛ لأن كل حادث لا بد له من محدِث؛ و لأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام و التناسق المتآلف يمنع منعاً باتاً أن يكون صدفة. إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده... فكيف يكون منتظماً حال بقائه و تطوره؟!!

فتعين بهذا أن يكون الخالق و المالك و المسيطر هو الله وحده فلا خالق و لا آمر إلا الله

و كذلك لأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله عز وجل كما قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)) – الواقعة، ففي هذه الآيات بيان أن رزقنا طعام و شراب من عند الله عز وجل.

فتعين بهذا أن يكون الرازق و المدبر هو الله وحده فلا رازق و لا مدبر إلا الله

== فصل ==

و بالتالي... و كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)) – البقرة، الذي خلقكم هذه تدل على ربوبيته و هي صفة كاشفة تعلل ما سبقها أي أعبدوه لأنه ربكم الذي خلقكم فمن أجل كونه الرب الخالق كان لزاماً عليكم أن تعبدوه، ولهذا نقول يلزم كل من أقر بربوبية الله أن يعبده وحده وإلا كان متناقضاً. و هو ما سيأتي بيانه في الدرس القادم على التفصيل...

== فصل ==

هنا قد تظهر بعض الأسئلة أو الإشكاليات....

س: أليس الإنسان قد يوصف بالربوبية؟ كما يقال ربّ الأسرة، و كما في حديث أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربـّتها)؟

ج: بلى، لكن الربوبية المضافة للمخلوق ليست كالربوبية المضافة للخالق، فالأولى ناقصة محدودة... بل إن هذا يسري على كل صفات الله كصفة السمع و البصر و الكلام و الإرادة و غيرها... مجرد اشتراك في التسمية لا يستلزم اشتراكا في المعنى و الكيفية، لأنه لا مقارنة أساسا.. فكل ما يضاف إلى الله عز و جل صفة مطلقة (منزهة عن المحدودية و القيود) و كاملة تامة (منزهة عن النقص) و عليا (منزهة عن الذم)

س: أليس الله أثبت الملك لبعض المخلوقات؟ مثل قوله تعالى: مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، و قوله: أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ؟ و في السنة مثل قوله عليه الصلاة و السلام: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟

ج: بلى، لكن ملك الله تام شامل؛ يفعل فيه ما يشاء و يملك كل شيء على الحقيقة و الإطلاق، أما ملك غيره فناقص قاصر؛ لا يملك كل شيء من جهة، و من جهة أخرى فملكه مقيد؛ كتقييد الشرع له (نهيه عن إضاعة ماله أو إتلافه و نهيه عن بعض التصرفات المحرمة)

س: أليس للإنسان تدبير؟

ج: بلى، لكن الله يدبر الأمر في كل شيء، أما الإنسان فتدبيره خاص بنفسه أو بما يملكه

س: أليس (ربنا عرفوه بالعقل)؟ إذن فلماذا كل هذه الدراسات في التوحيد؟

ج: إثبات وجود الله موجود في الفطرة قبل أن يعقل الإنسان وهو "الميثاق الفطري".(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا... (172)) - الأعراف، فإذا تحركت العقول بالنظر فإنها لا تخرج إلا بهذه النتيجة، وهو أنه موجود و أنه هو الذي يخلق و يرزق و يملك و يدبر هذا الكون بكل ما فيه.

فواعجباً كيف يُعصَـى الإلـه أم كيف يجـحـده الجاحــد

و فـي كــل شــيء لــه آيـة تــدل عَـلَـى أنــه واحــــد

أما أسماؤه الحسنى و صفاته العليا و أوامره و نواهيه و ما يحبه و ما يبغضه و كل الغيوب الأخرى كاليوم الآخر و الجنة و النار و الملائكة و غير ذلك فلا يمكن أن تدرك بالعقل بل لا بد أن تعلم من خلال إرسال الرسل و تبليغهم عن الله. و بعبارة أخرى فإن العقل و الفطرة تعرف معنى الربوبية لكنها لا تعرف الألوهية و الأسماء و الصفات و باقي أركان الإيمان و العقيدة، و كذلك لا تعرف الشريعة و الشعائر... والتي لا يمكن معرفتها إلا بالوحي.

== خاتمة ==

لم يُعلم أن أحداً من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى، و إنما ظهر من يُشرك مع الله ربا لا يساويه بل هو أقل منه في الصفات و الأفعال فهؤلاء مشركون في بعض الربوبية مثل كثير من مشركي العرب و غيرهم الذي قد يظنون في آلهتهم شيئاً من نفع أو ضر، بدون أن يخلق الله ذلك...

و لم يذهب إلى إنكار الربوبية كليـّةً طائفة معروفة من البشر إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون و الشيوعيين الملاحدة

لكنه في الحقيقة تجاهل وتظاهر بإنكار الصانع، و هم مستسيقنون به في الباطن

كما قال تعالى عن آل فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا.... (14) – النمل

أما الشيوعيون فلا يقولون الخالق هو الله، لأنهم لا يعرفون إلا الله التابع للكنيسة التي لا يتفقون معها، فاختاروا اسماً بعيداً فسموه الطبيعة!

*****

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك

يتبع إن شاء الله الدرس القادم تفصيل الإيمان بألوهية الله

هناك ٥ تعليقات:

محمد عبد الرحمن يقول...

بارك الله فيكم وأجزل ثوابكم

إستفدت جدا من التفريق بين ملك الله التام وبين ملك المخلوق الناقص وكذا موضوع نسبة كلمة رب إلى المخلوقين

جزاكم الله خيرا

عصفور المدينة يقول...

بارك الله فيك وأحسن الله إليك

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

شرح وافى... جزاك الله خيرا سيدى العزيز

أمــانــى يقول...

جــزاكم الله خــيرآ
ووفقكم لمـا يحب ويرضى ياااااااااااااارب آمـــــــــين

Aml Ghonaim يقول...

جزاكم الله الجنة ...
الاشكاليات وأجوبتها رائعة ؛
بارككم الله ...