الخميس، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٧

مقدمات ومبادىء علم الأصول (2)

بسم الله ؛ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ؛ وعلى آله وصحبه ومن والاه ؛وبعد ؛
درسنا الثانى فى مقدمات ومبادىء لعلم الأصول :
من يضع القواعد الأصولية ومن يستخدمها ؟
من يضع القواعد الأصولية ؟
القواعد الأصولية يضعها الأصولى ؛ ويستخدمها الفقيه .
فالأصولى هو العالم بالأصول ؛ وهو يضع القواعد الأصولية ويؤسسها بعد اعمال النظر والبحث فى نصوص الشرع وأحكامه وتعاليمه ومقاصده وملابساته ، وبعد تتبع آثار وفتاوى السلف وأقضيتهم ومختلف أحوالهم ، وغير ذلك مما يعينه على وضع تلك القواعد وتأسيسها .
ومثـــــــــال ذلك :
قاعدة ( الأمر المطلق يفيد الوجوب ) ومعنى الأمر المطلق : أى الأمر المجرد عن القرائن التى تصرفه من الوجوب الى غيره
هذه القاعدة أثبتها الأصولى بعد نظر فى كل أو أغلب الأوامر الشرعية المطلقة ، فوجدها تفيد وجوب فعل المأمور به ، ووجد الصحابة والتابعين - رضى الله عنهم - قد عملو بالأوامر وامتثلوها وأحسنو تطبيقها ؛ ووجد أن الفائدة المرجوة من الأمر هى فعل المأمور به
ويستخدمها الفقيه :
ومثـــــــــال ذلك :
قاعدة الأمر المطلق يفيد الوجوب ؛ وضعها الأصولى واستخدمها الفقيه ؛ فقوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة ) أمر مطلق ؛ والقاعدة تنص على أنه يفيد الوجوب ؛ فاذا الأمر بالصلاة يفيد وجوبها .
مثال آخر : القاعدة الأصولية ( الأحكام مشروعة لمصالح العباد ) فقد أثبتها الأصولى بعد النظر فى أحوال التشريع المختلفة ، والتى ورد منها : ورود كثير من الآيات والأحاديث تنص على مراعاة المصالح ونفى الفساد ورفع الحرج والتيسير . من ذلك قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )
( وما جعل عليكم فى الدين من حرج )
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على حكم الاستنساخ البشرى مثلا ؛ ويعلل الحكم بمصلحة حفظ كرامة الانسان وحرمته وحقه فى الحياة وعقله وماله وعرضه ونفى كل مايعارضه ويؤدى به الى ضرر التلاعب الوراثى ، وتغيير خصائصه وخلط الأنساب وبعثرة القيم والفضائل .
*
هل يكون الأصولى فقيها ؟ وهل يكون الفقيه أصوليا ؟
الأصولى يكون فقيها ، ولكن الفقيه لايكون أصوليا ،
وبيان ذلك : أن الأصولى يضع القواعد الأصولية بعد النظر والبحث فى الأدلة والقرائن ؛ فوضعه للقواعد الأصولية انبنى على عدة أمور منها : العلم بالأدلة والأحكام الجزئية ولذلك فهو عالم بتلك الأدلة والأحكام الجزئية قبل وضع القاعدة ، ثم انه بوسعه تطبيق القاعدة الأصولية الكلية على دليل جزئى ليتوصل الى اثبات الحكم الجزئى كما يفعل الفقيه تماما .
أما الفقيه فانه لايقدر على وضع القواعد الأصولية الكلية ، لأن مجاله معرفة الجزئيات فقط ، أى معرفة الأدلة والأحكام الجزئية ، فلا يقدر اذا على اثبات الكليات والنظر فى المادىء الاجماليو وعليه فلا يكون أصوليا .

موضوع أصول الفقه :
يتعلق موضوعه بالبحث فى الأدلة الاجمالية والقواعد الكلية الموصلة للفقه ، كاعتبار الكتاب والسنة المصدرين الرئيسين ، وتقديم النص القطعى على الظنى .
ولبيان ذلك :
القرآن الكريم والسنة مصدران أساسيان للفقه ، فيهما نصوص عامة ونصوص مخصصة ، وفيهما نصوص ناسخة ونصوص منسوخة ، وفيهما نصوص آمرة ونصوص ناهية ، فالفقيه عندما يجد نفسه أمام هذه النصوص فانهستحضر ماوضعه له الأصولى من قواعد وأدلة اجمالية ، فيحمل العام على عمومه ، ويخصص مايجب تخصيصه ، وينسخ ماينبغى نسخه ، ويحمل الأمر على الوجوب أو على الندب بحسب صيغة الأمر ، ويحمل النهى على التحريم أو الكراهة بحسب صيغة النهى ، وهكذا .

موضوع الفقه :
هو البحث فى الأدلة التفصيلية وما تتضمنه من أحكام فقهية عملية ، فالفقيه يبحث فى صلاة المكلف وصومه وحجه ، وبيعه ووقفه ووصيته وشركته ، وزواجه ، وقتله ، وسرقته ، وهكذا ....
فالفقيه مثلا يقول : الصلاة واجبة ، ودليله : ( وأقيموا الصلاة ) ؛
ويقول : البيع حلال والربا حرام ودليله : ( وأحل الله البيع وحرم الربا )

العلوم التى يستند اليها أصول الفقه :
يستند علم أصول الفقه الى ثلاث أنواع من العلوم :
1- علم الكلام .
2- علم اللغة العربية .
3- مبحث الأحكام الشرعية .
فقد استفاد الأصوليون من علم الكلام فى اثبات القضايا العقدية التى يتوقف عليها صحة الأدلة وصدقها ،
مثـــــــــــال ذلك :الحدود والرسوم سهلت استعمال التعريفات الفقهية
فقول المناطقة : الانسان البالغ عاقل هو رسم يميز عن غيره ،
وقول الأصوليين : الحرام لا يكون حلالا لشخص واحد فى آن واحد ، هو عمل بالقاعدة المنطقية ( اجتماع النقيضين مستحيل ) .
أما علم اللغة العربية :
فالأحكام الشرعية ( فى القرآن والسنة ) التى هى مدار الأصول قد نزلت ألفاظها باللغة العربية ، الأمر الذى يحتم معرفة تلك اللغة وفهم صيغها وأساليبها ودلالتها ،
أما علم الأحكام الشرعية ( الوجوب والندب والتحريم والكراهة والاباحة ) فهو ثمرة الأصول وهدفها ، فقد عمل الأصوليون على معرفة الأحكام واستخراجها وابرازها من خلال الفهم العميق للغة ، ومن خلال احاطتهم بمبادىء علم الكلام والمنطق ومتابعة نصوص الكتاب والسنة لاستخراج الأحكام الفقهية المتعلقة بأفعال الناس ومعاملاتهم.

الدرس القادم يكون خاتمة المقدمة _ باذن الله _
آمل أن يكون الدرس هذه المرة أوضح ؛
وقدرجعت فيه الى كتاب : تعليم علم الأصول ، تأليف د . نور الدين مختار الخادمى ...

هناك ٧ تعليقات:

عصفور المدينة يقول...

بارك الله فيك

الباحث عن الحقيقة يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
الطائر الحزين يقول...

جزاك الله خيرا

محمد عبد الرحمن يقول...

جزاكم الله خيرا
الأمثلة واضحة وبينت لى معالم الفرق بين الفقه وأصوله


شكرا بارك الله فيكم

غير معرف يقول...

اجمل حاجة ان الدرس مش طويل يعني توضيح مبسط ومختصر

بارك الله فيكي يا دكتورة

محمد مارو يقول...

ربنا يجزيك كل خير
و يارب تكون دى الصدقه الجاريه بتاعك اللى تستفيد منها طول الحياة و بعد الممات

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

نشكرك أختنا العزيزة على هذه المقدمة الغنية .. و شكرا لك على إيضاحك لأهمية "علم الكلام" كمنبع من منابع علم أصول الفقه.. فقد شاع عن هذا العلم -علم الكلام- أنه علم "سىء السمعة" أو على أفضل التقديرات بأن "العلم به لا ينفع و الجهل به لا يضر".. أشكرك بشدة على هذا الإيضاح و إزالة غمامات "عدم المعرفة" .. فذلك ما ننتظره دوما.. زادك الله حماسا و همة على أداء مهمتك فى هذه المدرسة و أعان سائر المشاركين بالتوفيق و الإخلاص