الجمعة، أغسطس ٢٤، ٢٠٠٧

مبادىء علم أصول الفقه- التعريف



بسم الله ؛ الحمد لله ؛ والصلاة والسلام على رسول الله ؛ وعلى آله وصحبه ومن والاه ؛ وبعد :

فهذه أول دروس علم أصول الفقه أبدأها بحول الله وقوته بمقدمة عن هذا العلم ؛ وفضله وشرفه وأهميته والغاية من دراسته ؛ من كتاب الدكتور : جلال الدين عبد الرحمن _ رحمه الله _ ( غاية الوصول الى دقائق علم الأصول_ المبادىء والمقدمات

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
أما بعد

فعلم أصول الفقه كما يقول الغزالى صاحب الاحياء رحمه الله :
هو العلم الذى ازدوج فيه العقل والسمع (أي النصوص)
واصطحب فيه الرأى والشرع ؛ فأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل ؛
فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لايتلقاه الشرع بالقبول ولا هو مبنى على محض التقليد الذى لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد .
لهذا صار هو الأساس لعلم الفقه ؛ الذى عليه مدار السعادة فى الدنيا والآخرة .

فى مبادىء علم أصول الفقه

حرص الأصوليون على تعريف ( أصول الفقه ) لأن التعاريف يقصد بها الشرح والبيان ؛ وتوضيح معنى العلم ؛ لمن أراد الاقدام عليه والالمام به
تعريف علم أصول الفقه :

اختلف الأصوليون حين تعرضوا لتعريف علم أصول الفقه

فمنهم من عرفه بمعناه المركب الأول _ بمعنى أنه مركب اضافى يدل جزؤه على جزء معناه ويتوقف فهم معناه على فهم كل جزء من جزأيه ؛

فلا بد أن يعرف معنى الأصل ثم يعرف معنى الفقه ثم تفهم الاضافة .

ثم بمعناه اللقبى ثانيا _ بمعنى أنه صار ( علما ) لقب به هذا الفن ؛ فلا يدل جزؤه على جزء معناه ؛ ولا يتوقف فهم معناه المقصود منه على فهم كل جزء من جزأيه .

_ ومن الأصوليين من عرفه بمعناه اللقبى فقط ( أنه علم على أصول الفقه(

ومن عرفه بالمعنيين ؛ فقد قصد التعرض لبيان معنى أجزائه لتكثير الفائدة ؛ وممن اختار هذا الصنيع : الامام سيف الدين الآمدى ؛ وجمال الدين ين الحاجب ؛ والكمال بن الهمام ؛ وابن المطهر الحلى ؛ والغزالى ؛ وغيرهم

ومن عرفه بالمعنى اللقبى فقط فقد ترك المعنى الاضافى لأنه بالنظر الى المعنى اللقبى فقد أصبح مهملا ؛ فاقتصر على المعنى المقصود بالذات ؛ وقد نحا هذا النحو : القاضى ناصر الدين البيضاوى ؛وابن السبكى ؛ والطوسى ؛ وصدر الشريعة وغيرهم .

وكلا القصدين ناشىء عن وجهة نظر معقولة سليمة .

تعريف علم أصول الفقه بمعناه الاضافى :

لفظ أصول الفقه مركب من مضاف ؛ ومضاف اليه ؛ واضافة .

فالمضاف : لفظ ( أصول ( : وهو جمع أصل ؛ وتعريفه بتعريف مفرده .

والأصل فى اللغة: اختلفوا فى تحديده على خمسة أوجه :

1- الأول : مايبتنى عليه غيره حسيا كان _ كابتناء السقف على الجدار_ أو عقليا - كابتناء المعلول على علته والمدلول على دليله -
2- الثانى : المحتاج اليه .
3- الثالث : مايستند تحقيق الشيء إليه.
4- الرابع : مامنه الشىء .
5- الخامس : منشأ الشىء .

وأقرب هذه الحدود ؛ هو الأول والأخير .

ثم نقل فى العرف لمعان :
ففى عرف الأصوليين : بمعنى الدليل الاجمالى . كقولهم : الأصل فى هذه المسألة : الكتاب والسنة _ أى الدليل المثبت لحكمها .

وبمعنى : الأمر المقيس عليه غيره كقولهم : الخمر أصل للنبيذ فى الحرمة .

وبمعنى : الراجح كقولهم : الأصل فى الكلام الحقيقة .

وأقرب هذه الاصطلاحات لتعريفه بالمعنى الاضافى أن يكون بمعنى الدليل .

والمضاف اليه : لفظ الفقه :

والفقه له معنيان : أحدهما لغوى والآخر شرعى :

أولا : المعنى اللغوى للفقه .

اختلف الأصوليون فى معناه اللغوى :

فذهب الغزالى ؛ ومن حذا حذوه الى أن معناه : العلم بالشىء والفهم له ؛ سواء كان المفهوم دقيقا أم جليا ؛ وسواء أكان غرضا للمتكلم أم لا .

وذهب الامام فخر الدين الرازى وأبو الحسين البصرى الى أن الفقه : خاص بفهم غرض المتكلم من كلامه دقيقا كان الغرض أم جليا

وذهب أبو اسحاق الشيرازى الى أن الفقه خاص بفهم الأشياء الدقيقة فقط .

والصحيح من هذه الأقوال : أولها ؛ وقد وردت آيات من القرآن ترد القولين الأخيرين .

من ذلك قوله تعالى فى شأن الكفار ( فمال هؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا )

وقوله تعالى ( وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم )

وقد نقل لفظ الفقه عرفا من معناه اللغوى الى علم الدين لسيادته وشرفه ثم قصر على علم الفروع خاصة .

أما الفقه اصطلاحا : فقد اختلف العلماء هل هو قطعى أم ظنى ؟

فمن قال انه قطعى عرفه بأنه : العلمبالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية .

ومن ذهب الى أنه ظنى وهو الامام أبو حنيفة _ رضى الله عنه _ عرفه بأنه : معرفة النفس مالها وما عليها.

والاضافة : وهى النسبة بين المضاف والمضاف اليه .

ويكون المراد بمعنى أصول الفقه الاضافى اذن :

أدلة الفقه ؛ من حيث هى أدلة ؛ وهى شاملة لأدلة الاجمالية والتفصيلية ولا يشمل مباحث الترجيح والاجتهاد والأحكام.


تعريف علم أصول الفقه بمعناه اللقبى

أصول الفقه بمعناه اللقبى أى : باعتباره اسما لعلم مخصوص من العلوم الشرعية قديطلق اما على :

_ قواعد الفن ؛ أى مسائله الكلية التى يبحث فيها عن أحوال موضوعه .

_ أو على ادراك هذه القواعد نفسها ؛ أى معرفتها والتصديق بها عن دليل .

_ أو على ملكة الاستحضار الحاصلة من مزاولة هذه القواعد نفسها .

ومن الأصوليين من عرفه بأنه : قواعد الفن المعروفة ؛ منهم من عرفه بادراك قواعد الفن أو ملكة الاستحضار .

غير أن أشهر التعريفات لأصول الفقه : تعريف القاضى البيضاوى ؛ والذى عرفه بأنه : معرفة دلائل الفقه اجمالا ؛ وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد .

- وقد عبر القاضى البيضاوى بلفظ المعرفة دون لفظ العلم لمناسبتها للمسائل الأصولية ؛ اذ يكفى فيها الدليل الظنى فيكون التصديق بها أعم من أن يكون ظنيا أو قطعيا . بخلاف العلم فالغالب اطلاقه على الدليل القطعى .

وعليه يكون المراد من _ معرفة دلائل الفقه _ معرفة مسائله أى التصديق الناشىء عن دليل : بأن الكتاب والسنة والاجماع والقياس وغيرها أدلة يحتج بها ويجب على المجتهد العمل بموجبها ؛ وليس المراد : معرفة عدد الأدلة ولا حفظها فان ذلك ليس من أصول الفقه .

وقوله : دلائل : جمع دليل وهو لغة : المرشد للشىء

واصطلاحا : مايمكن بصحيح النظر فيه الوصول الى مطلوب خبرى ؛ سواء كان ظنيا أم قطعيا .

- وقد احترز بدلائل الفقه عن ثلاثة أشياء :

1- أولا : عن معرفة غير الأدلة كمعرفة الفقه والخلاف ونحوه

2- ثانيا : عن معرفة أدلة غير الفقه : كأدلة النحو والكلامن .

3- وثالثا : عن معرفة بعض أدلة الفقه كالباب الواحد من أصول الفقه .

وقوله : اجمالا : مصدر يوصف به المذكر والمؤنصث وهو حال من دلائل لأنه وصف لها ؛ وفيه اشارة الى أن المعتبر فى حق الأصولى : معرفة مجموع الأدلة من حيث الاجمالى . فاحترز به عن علم الخلاف وعلم الفقه .

وقوله : وكيفية الاستفادة منها : معطوف على دلائل الفقه ؛ أى : ومعرفة كيفية استفادة الفقه من تلك الدلائل ؛ وذلك يرجع الى معرفة شرائط الاستدلال .

فلا بد للأصولى من معرفة تعارض الأدلة ؛ ومعرفة الأسباب التى يترجح بها بعض الأدلة على بعض . لأن المقصود من معرفة أدلة الفقه استنباط الأحكام منها ، ولا يمكن استنباط الأحكام الا بعد معرفة التعارض والترجيح .

وقوله : وحال المستفيد : معطوف على دلائل أيضا أى ومعرفة حال المستفيد . وهو طالب حكم الله تعالى فيدخل فيه المجتهد ؛ لأنه يستفيد الأحكام من الأدلة .

وأما المقلد ؛ فلا يصح ادخاله هنا ، لأن المراد من الدليل هنا : الدليل التفصيلى ، ومن استفادة الحكم منه ، استنباطه ومعرفته بعد تأمل ونظروامعان فكر ، والمقلد ليس من أهل النظر فى الأدلة . فيتعين أن يكون المستفيد هو المجتهد لا المقلد .

= وقد وردت عدة اعتراضات على هذا التعريف دفعها الامام البيضاوى ؛ وقد تضمن تعريفه هذا مباحث الأدلة لأن المقصود استنباط الأحكام ، وتضمن أيضا ومباحث التعارض والترجيح ومباحث الاجتهاد.


فى الدرس القادم بمشيئة الله ندرس موضوع علم الأصول ، وفائدته واستمداده .

المصدر : كتاب المبادىء والمقدمات للدكتور جلال الدين عبد الرحمن .

ومنه سندرس المبادىء ؛ أما الكتاب الأصلى فباذن الله سيكون كتاب الشيخ محمد أبو النور زهير ( أصول الفقه )

اذا كانت هناك كلمات تحتاج الى توضيح فالرجاء ذكرها وكذلك اذا كان الدرس طويلا ؛ أرجو ذكر هذه الأمور.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه .


هناك ١٣ تعليقًا:

عصفور المدينة يقول...

مرحبا بك أستاذة أمل وبوركت وبورك بنانك

وأحث الأخوة والأخوات الحضور على الاهتمام بهذا العلم الذي يريح الإنسان في فهم أقوال وفتاوى العلماء

والاستعانة على فهم ذلك بالأسئلة والمناقشة

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

جزاك الله خيرا أختنا على هذا المجهود .. فى انتظارالدخول فى تفصيلات ذلك العلم .. رزقكم الله جميعا نعمة المداومة على فعل الخير

محمد عبد الرحمن يقول...

السلام عليكم
ما شاء الله
جزاكم الله خيرا
هذا علم كبير القدر عظيم الفائدة جزاكم الله خيرا
متابع معكم بإذن الله
فقط لى رجاء نظرا لأن هذا العلم على جدا والمدونة موجهة للمبتدئين أرجو أن أذكرك أن يكون الشرح تطبيقيا وتكثر الأمثلة ليقرب ئإلى الذهن مباحث العلم
بارك الله فيك أختى أمل

محمد مارو يقول...

ربنا يزيدك من علمه يا رب و تنفع بيه البشر و كل واحد ينتفع بيك ينفع اكتر عدد من البشر

Aml Ghonaim يقول...

الأخوة الأفاضل :
جزاكم الله خيرا ؛ وباذن الله عندما سندخل فى التفاصيل سيكون هناك أمثلة ونماذج تطبيقية ما أمكن ...
بارك الله لكم ؛ وجعلنا واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ...

الباحث عن الحقيقة يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مدرسة العلوم الشرعية المبسطه
الاخوه الافاضل : نحن لسنا اكاديمية ولن نعطى شهادات تخرج للمشاركين
وليس الغرض ان نكون اكاديميين وانما ان نقدم محاضرات مبسطه فى اصول الفقه او الفقه او العقيده ومن اراد التوسع يمكنه الرجوع الى الكتب والمراجع المشار إليها او الالتزام فى معاهد الدعوه المنتشره فى جمهورية مصر العربيه
فى رأيى ان هذه المقدمه كان طويله واكاديمية اكثر من اللازم
ارجو مراعاة الاختصار وذكر التعريف الراجع لان قارئ المدونات ملول ولا نريد ان نفقد جمهورنا فى اول محاضرتين بالحديث الاكاديمى المطول
ياخوانا هم كلمتين ببساطه ..عايزين نعمل وعى
وعى بالفقه واصوله
احنا مش عايزين علماء لاننا مش هنقدر نخرج من المدونه علماء انما على الاقل نقدر نخرج ناس بتفهم ناس عندها فكره عن اصول الفقه ويعنى ايه دليل وازاى استنبط الدليل ده وازاى افهمه

اتمنى تكون وجهة نظرى وضحت ..ان مش قصدى اهاجم لاحبط من عزيمة الاخوه بالعكس يمكن فكره تدريس اصول الفقه كنت اول من اقترحها ..بس انا عارف ان العلم ده صعب مش سهل على الاذهان العاديه او قارئ المدونات الغير متخصص فى العلوم الشرعيه

وربنا يوفقكم وانا متابع معكم
واتمنى من الاخت امل انها تلقى نظره على موضوعى فى مدونتى بعنوان درس فى اصول الفقه ..علشان فيما بعد يكون مثل لتبسيط المعلومه عند البدئ فى شرح معنى الحكم الشرعى ومتعلقاته
وربنا يوفق الجميع ويجعله فى ميزان حسناتنا
شكرا لجميع الاخوه القائمين على المدرسه

عصفور المدينة يقول...

بارك الله فيك أخي الباحث
وإن شاء الله كما وعدت الأخت أمل في التعليق السابق سوف تراعي التبسيط والاختصار إن شاء الله

الباحث عن الحقيقة يقول...

اشكرك اخى عصفور المدينه
انا والله خفت من الشكل الاكاديمى ده
انه يكون صعب على بعض الاذهان
يارب بالتوفيق دائما

Aml Ghonaim يقول...

أخى الكريم : الباحث عن الحقيقة .
كل دارس لأصول الفقه يعى جيدا أن مقدمته وتعريفه هى التى تنفر الدارسين منه لأنها بهذا الشكل ؛؛؛؛
ولكن غالبا ماتنتهى هذه الاشكاليات بعد التعريف واعتراضاتهم عليه ...
ان شاء الله فى الدروس القادمة سأراعى الأمر الذى ذكرته وأنا أفهم وأعى صحة تعليقك ؛ وكونه فى محله تماما ...وسأرجع الى كتب حديثة لأن غالبا كتب التراث وكتب الأئمة المؤلفة فى علم الأصول يتسم أسلوبها بالصعوبة ؛ لأنه كانت العادة أن علم الأصول لا يدرس الا للمتخصصين ...أعاننى الله ....
* لكن الرجاء مراعاة أن هذا أول تطبيق عملى لى ؛ أرجو أن أكون على قدره وأن لايحرمنى الله أجره ...
بارك الله فيك ؛ وجزاك خيرا على النصيحة .

عصفور المدينة يقول...

الأخت أمل جزاك الله خيرا
وإن شاء الله أنت أهل لهذه المهمة
وضعي نصب عينيك جمهور المتلقين وتخيلي أنك تكلميهم وردود أفعالهم
وياحبذا لو اقتصرت على قول واحد في كل مسألة يكون هو اختيارك
والغرض من هذه المدرسة إن شاء الله لنا هو التدرب على توصيل المعلومة بالأسلوب البسيط على طريقة المدونات للشباب الذي يريد أن يأخذ المعلومة على هيئة ملخصات وليس لديه الصبر للرجوع إلى الكتب
اما الذي يستطيع الرجوع للكتب فهذا سيكون أولى به الكتاب وطلب العلم على أهله
بارك الله فيك

الباحث عن الحقيقة يقول...

سعيد جدا بتواضعكم وروحكم الحلوه
وادعوا الاخت اصرار امل والاخ عصفور المدينة الى رؤية موضوع النص والاجتهاد بمدونتى وهو اول موضوعات الاخ ابن حجر
منتظركم للنقاش حول الفكره المطروحه

أمــانــى يقول...

جزاكى الله خـيرآ ووفقك لما يحب ويرضى يااااااااااارب آمــــــــــين

Unknown يقول...

السلام عليكم ورحمة الله
جزاك الله خير الجزاء اختى الكريمة
علم اصول الفقه علم ممتع من انفع العلوم
وفعلا كما تفضلتى بعد المقدمة والتعريفات تظهر روعة العلم
ربنا يثبتنا واياك ويجعلك سببا فى النفع