الأربعاء، مايو ٠٦، ٢٠٠٩

الصيام - 2

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

الصيام - 2

وقفنا عند مسألة ثبوت دخول الشهر وخروجه وقلنا أن المعول عليه هو الرؤية ولا يشترط أن تكون الرؤية بالعين المجردة بل تقبل الرؤية عن طريق المراصد وعن طريق المكبر وهي معتبرة شرعاً قد صدر

وأما الحساب الفلكي فلا شك أن الحسابات الفلكية تقدمت في الوقت الحاضر تقدماً عظيماً ولا شك في دقتها ولكن الشريعة أناطت الحكم بالرؤية ولم تجعل المناط في ذلك الحساب وإنما المناط الرؤية (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فنقول: حتى وإن كانت هذه الحسابات دقيقة إلا أنه لا يعتمد عليها شرعاً وإنما المعتمد عليه هو الرؤية.

ولهذا لو أن الحسابات الفلكية تدل على أنه سوف يمكن رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين بوضوح ولكن في ذلك اليوم كان هناك سحاب أو قتر فلم يمكن الرؤية فإنه لا يعتمد على تلك الحسابات وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك ولكن هناك من قال بالاعتماد على الحساب من المتقدمين

لكنهم قلة كابن سريج من الشافعية وبعض الفلكيين في الوقت الحاضر وأخذ بهذا بعض العلماء المعاصرين

مسألة: وهي إذا رأي الهلال في بلد هل يلزم جميع المسلمين الصوم؟

اختلف العلماء في هذه المسألة والمشهور من مذهب الحنابلة أنه إذا رُئيَ الهلال في بلد لزم الصوم لجميع أقطار المسلمين لعموم حديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وقال بعضهم: إن لكل أهل بلد رؤيتهم

ولا شك أن المطالع تختلف فقد يغرب القمر قبل الشمس مثلاً في الشرق

في البلاد العربية يغرب القمر قبل الشمس مثلاً بدقيقتين لكن في أقصى الغرب في أمريكا مثلاً يغرب القمر بعد الشمس بدقائق ويمكن رؤيته فإذن: مطالع الهلال تختلف؛ ولهذا القول الصحيح: أن لكل أهل بلد رؤيتهم.

وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي مسألة توحيد الأهلة بحثها في عام ألف وأربعمائة وواحد للهجرة وأصدر فيها قراراً مضمونه:

«درس مجمع الفقه الإسلامي مسألة اختلاف المطالع فرأى أن الإسلام بني على دين يسر.. إلى أن قرر في آخر قرار قال: إن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير من العلماء وقد روى ابن عبد البر الإجماع على أنه لا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان ورأى المجمع الفقهي أن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة وأنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهمه كثير من المقترحين بتوحيد الأهلة والأعياد وإن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في جميع شؤونهم والله ولي التوفيق».

هذا صدر عام ألف وأربعمائة وواحد فرأوا أن يترك الأمر للعلماء في كل بلد ليختار علماء كل بلد ما يرونه في هذه المسألة.

و(الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس) ولهذا يجب على كل أهل بلد أن يجتمعوا وألا يتفرقوا وأن يأخذوا برأي علمائهم في هذه المسألة، فمثلاً إذا رأى علماء أهل البلد مثلاً في مصر أن الشهر قد دخل أو أن الشهر لم يدخل ينبغي أن يكون الإنسان مع الجماعة هكذا رأى علماء أهل البلد في قطر من الأقطار أن شهر رمضان قد دخل أو لم يدخل فينبغي أن يكون الإنسان مع الجماعة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس) وهذا دليل على أنه ينبغي الحرص على الاجتماع في الصوم وفي الفطر لأهل البلد الواحد.

ولكن توحيد الأمة الإسلامية في دخول شهر رمضان أو في العيد نقول: هل هذا أمر مقصود شرعاً؟

لا يظهر في الواقع أن هذا- والله أعلم- أنه أمر مقصود وليس هذا هو الذي يكفل وحدة الأمة الإسلامية كما ذكر في القرار إنما الذي يكفل وحدتها هو العمل بالكتاب والسنة ولذلك لا ضير في أن يختلف المسلمون في دخول شهر رمضان أو في العيد كما أنهم مختلفون في أوقات الصلوات نحن مثلاً نصلي الآن الظهر ومَنْ في الغرب يصلون الظهر بعدنا بساعات ومن في الشرق قد صلوا الظهر قبلنا فالمسلمون يختلفون في أوقات الصلوات هكذا أيضاً في وقت الصيام ولذلك نقول: الأمر في هذا فيه سعة.

ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى- (وإذا رأى الهلال وحده صام ) يعني: هذا شخص رأى هلال رمضان وذهب عند القاضي وشهد ولكنه ردت شهادته يرى المؤلف أنه يلزمه الصوم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صوموا لرؤيته) وهذا قد رأى الهلال.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يصوم في هذه الحال وإنما يفطر مع الجماعة لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس) وهذا هو القول الراجح في المسألة- والله تعالى أعلم- وهو اختيار سيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والمحققين من المعاصرين- أنه لا يصوم وإنما يكون مع الناس (الصوم يوم يصوم الناس).

ولأن الهلال مأخوذ من الاستهلال والشهر من الاشتهار فلابد أن يستهل يعني: يعلن الهلال ويشتهر الشهر حتى يكون هلالاً شرعياً ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: إن الهلال إذا طلع في الأفق ولم يره الناس فإنه لا يكون هلالاً شرعاً حتى وإن كان قد هَلَّ في واقع الأمر ولو أنه أخطأ الناس في رؤيته فأُهِلَّ وأُعلِنَ عن رؤية الهلال واشتهر ذلك فإنه يكون هلالاً شرعاً حتى وإن لم يكن قد هلَّ في واقع الأمر.

فإذن: المناط هو الاستهلال والإعلان واشتهار إعلان ورؤية الهلال هذا هو المناط في هذه المسألة ولهذا نقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- إجماع العلماء على أن الناس لو وقفوا خطأً بعرفة فإن حجهم صحيح بإجماع المسلمين وهذه مسألة مهمة لأن بعض الناس خاصة عندما يُرى الهلال كبيراً مثلاً يبدأ يشكك الناس لعله قد هَلَّ الهلال ولم يره الناس لعله كذا فنقول: الهلال من الاستهلال إذا لم يعلن ولم يشتهر فليس بهلال شرعاً وإن كان قد هلَّ في واقع الأمر والأمر ميسور- ولله الحمد- في شريعة الإسلام فلا ينبغي التنازع في هذه المسألة وإثارتها وتشكيك الناس وربما أحدثوا شيئاً من البلبلة بسبب رؤية الهلال بل الأمر يسير (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) إذا رأى الناس الهلال صاموا وإذا لم يروه فإنهم يكونون مفطرين للثلاثين من شعبان- والحمد لله-.

إذن: المعول عليه هو الإعلان والاستهلال والاشتهار لرؤية الهلال ولهذا فإن القول الصحيح في هذه المسألة: إنه من رأى الهلال وحده فإنه يكون مع الناس ولا يصوم. هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة.

قال: (فإن كان عدلاً صام الناس بقوله ) أفادنا المؤلف -رحمه الله تعالى- أن شهر رمضان يثبت برؤية شاهد واحد فقط ويدل لذلك حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه) وهذا الحديث [أخرجه أبوا داود وهو حديث صحيح] وأما حديث ابن عباس (جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني رأيت الهلال قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم قال: يا بلال قم فأذن في الناس أن يصوموا غد) فهذا الحديث [أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة] لكن سنده ضعيف ضعفه كثير من أهل العلم لكن يغني عنه حديث ابن عمر.

ولذلك نقول: إن شهر رمضان يثبت دخوله برؤية شاهد واحد فقط وأما شهر شوال فلابد من شاهدين فأكثر ولهذا قال المؤلف: (ولا يفطر إلا بشاهدة عدلين) لابد من رؤية شاهدين وذلك لحديث عبد الرحمن بن زيد الخطابي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطرو) [أخرجه النسائي بسند حسن].

فدل ذلك على أنه في هلال شهر شوال لابد من شهادة شاهدين عدلين لأن ذلك أحوط وفي دخول شهر رمضان يكتفى بشهادة شاهد واحد فقط لأن ذلك أيضاً أحوط للصوم ففي دخول شهر رمضان نكتفي بشهادة شاهد واحد لأنه أحوط لصوم رمضان في خروج شهر رمضان أيضاً نحتاط لصيام رمضان فنقول: إنه لابد من شهادة شاهدين فأكثر وهكذا بقية الشهود لابد من شهادة شاهدين عدلين.

قال: (ولا يفطر إذا رآه وحده ) وذلك لأنه لا يثبت دخول شهر شوال إلا بشهادة عدلين وحينئذ لا يثبت دخول شهر شوال بشهادة واحد فقط ولهذا فإنه إذا رآه وحده فإنه لا يفطر ولهذا نقول: من رأى الهلال وحده سواءً في دخول شهر رمضان أو في خروجه فإنه لا يعتد برؤيته وإنما يكون صومه يوم يصوم الناس وفطره يوم يفطر الناس.

قال: ( وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً أفطرو) (وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوم) يعني: من رمضان (أفطرو) بإكمال رمضان ثلاثين يوماً ( وإن كان بغيم أو قول واحد لم يفطروا إلا أن يروه أو يكملوا العدة ) يعني: إذا كان دخول شهر رمضان بشهادة شاهد واحد فقط أو أنه على رأي المؤلف أنه يجب صيام الثلاثين من شعبان إذا كان هناك غيم أو قتر وقلنا: إن هذا قول مرجوح, لكن على المسألة الثانية وهو أنه إذا ثبت دخول شهر رمضان بشهادة شاهد واحد فقط فلابد من رؤية هلال شوال.

ومعنى كلام المؤلف: ولو صام الناس ثلاثين يوماً بشهادة شاهد واحد فقط, أي: كان شهر رمضان قد دخل بشهادة شاهد واحد فقط ثم صاموا ثلاثين يوماً ولم يروا الهلال فيصوموا أيضاً اليوم الذي بعده, معنى ذلك: أنهم صاموا واحداً وثلاثين يوماً هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة ولكن القول الصحيح في هذه المسألة أنهم إذا صاموا ثلاثين يوماً فإنهم يفطرون بعد ذلك ولو كان دخول شهر رمضان بشهادة شاهد واحد فقط لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ).

ولأن الشهر لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماً ولو كان دخوله بشهادة شاهد واحد فقط لأن دخوله إنما كان بطريق شرعي ولهذا إذا صام الناس ثلاثين يوماً فإنهم يفطرون اليوم الذي بعده فيكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف -رحمه الله تعالى-.

آخر مسألة معنا في هذا الباب قال: ( وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزئه ) الأسير إذا كان إنسان أسيراً عند كفار ولم يستطع معرفة دخول الشهر فإنه يجتهد في ذلك ويتحرى ثم بعد ذلك إن تبين له أنه وافق الشهر فالحمد لله وإن تبين أنه صام أياماً بعد شهر رمضان فإن ذلك يقع مجزئاً لأنه يكون قضاءً أما إن تبين أنه صام أياماً قبل دخول شهر رمضان فإن ذلك لا يجزئه لأن العبادة لا تصح قبل دخول وقتها وهو أشبه ما لو صلى الصلاة قبل وقتها.

وبهذا نكون قد انتهينا من أحكام ومسائل هذا الباب.

والحمد لله أولا وآخرا

ليست هناك تعليقات: