الاثنين، أبريل ٠٧، ٢٠٠٨

عقيدة -24 الإيمان بأعمال الملائكة

الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين

الإيمان بأعمال الملائكة

ونؤمن بأن: للملائكة أعمالاً كلفوا بها: فمنهم جبريل الموكل بالوحي ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله، ومنهم ميكائيل الموكل بالمطر والنبات، ومنهم إسرافيل: الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور، ومنهم ملك الموت: الموكل بقبض الأرواح عند الموت، ومنهم ملك الجبال: الموكل بها، ومنهم مالك: خازن النار، ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام وآخرون موكلون بحفظ بني آدم وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (سورة ق: من الآية17، والآية18). وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فـ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (سورة إبراهيم:الآية 27). ومنهـم الملائكة الموكلون بأهل الجنة (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (سورة الرعد:من الآية 23والآية 24). وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البيت المعمور في السماء (يدخله – وفي رواية يصلي فيه- كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم).

صفات الملائكة

ونؤمن بأن: للملائكة أعمالاً كلفوا بها: ذلك يتضمن الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى؛ …

و أعمال الملائكة مرتبطة كلها بالحق، و لا شيء غير الحق، فليس فيها زيغ عن الحق لحظة واحدة من ليل أو نهار، كالذي يحدث في عالم الجن و عالم الإنس.

فالجن و الإنس تحدث منهما المعصية و يحدث منهما الزيغ عن الحق الذي يصل و العياذ بالله إلى حد الكفر و الإلحاد، أما الملائكة الأطهار فهم يعيشون للحق وحده و لا يقومون بعمل من الأعمال إلا ما يرتبط بالحق.

فأول وظائفهم عبادة الله بالتسبيح له فى الليل و النهار دون ملل و لا فتور و لا غفلة، و الطاعة الدائمة، و المبادرة لامتثال أمر الله عز وجل، و العبادة الخالصة هي حق الله على خلقه، إذ التوحيد – وهو مقتضى العبادة الخالصة لله – هو الحق الذي تقوم به السموات و الأرض.

و من وظائفهم – مع التسبيح والعبادة – الاستغفار للمؤمنين عند الله، و هو استغفار بالحق – فهم لا يستغفرون إلا لمؤمن – و بإذن الله لا من عند أنفسهم:

(الذين يحملون العرش ومَن حولـَه يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم) (غافر: 7-9).

و قد يكون لبعضهم أعمال خاصة، كالأمثلة التي ذكرها المؤلف:

1- فمنهم جبريل الموكل بالوحي ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله

كلف الله جبريل عليه السلام ذلك، و وصفه في القرآن بالروح الأمين، و الوحي كلام الله المنزل إلى البشر عن طريق رسله ليتبعوه:

(وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين) (الشعراء: 192-195).

(وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مِرَّة (أي قوة عظيمة) فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده (أي عبد الله إشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم) ما أوحى) (النجم:31.).

(إنه لقول رسول كريم * ذى قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثـَمّ أمين (أي بين الملائكة)) (التكوير:19-21).

2- ومنهم ميكائيل الموكل بالمطر والنبات

كلف الله ميكائيل عليه السلام بالقطر (أي بالمطر) و النبات، فقد روى الطبراني من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: على أي شيء أنت؟ قال: على الريح والجنود، قال: و على أي شيء ميكائيل؟ قال: على النبات و القطر، قال: و على أي شيء ملك الموت؟ قال: على قبض الأرواح... و في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى و قد ضُعـّـف لسوء حفظه و لم يـُـترك.

3- ومنهم إسرافيل: الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور عند قيام الساعة و بعث الخلق...

كلف الله إسرافيل عليه السلام بالنفخ في الصور مرتين: المرة الأولى يصعق بها من بقي حياً في السموات و الأرض إلا من شاء الله، و المرة الثانية يبعث فيها الموتى ليقضي بينهم بالحق:

(ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون * ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون) (الزمر:68-7.).

4- ومنهم ملك الموت: الموكل بقبض الأرواح عند الموت

كلف الله ملك الموت عليه السلام و بعض الملائكة بقبض الأرواح حين ينقضي أجلها الذي حدده الله لها:

(قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) (السجدة:11).

(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) (آل عمران: 145).

(وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) (الأنعام:61).

5- ومنهم ملك الجبال: الموكل بها

ففي الحديث الذي في البخاري أنه لما لم يستجب إليه قومه يوم العقبة (... فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).

6- ومنهم مالك: خازن النار

كلف الله مالك عليه السلام بالنار فهو خازن النار، و هو الذي يوقدها.

(إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون * لا يُـفَـتـَّر عنهم وهم فيه مُبلسون * وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين * ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون * لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) (الزخرف:74-78).

7- ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح...) رواه البخاري و مسلم و غيرهما.

8- وآخرون موكلون بحفظ بني آدم وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (سورة ق: من الآية17، والآية18).

كلف الله ملائكة لتسجيل أعمال البشر و حفظها:

(إذ يتلقى المتلقيان (أى الملكان اللذان يسجلان الأعمال) عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (ق: 17،18).

(وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون) (الانفطار:10-12).

فكل إنسان على وجه الأرض، منذ الإنسان الأول إلى يوم تقوم الساعة، قد وكل به اثنان من الملائكة، أحدهما عن يمينه يسجل له ما يقوم به من حسنات، و الآخر عن شماله يسجل عليه ما يقع منه من سيئات. و تظل هذه الحسنات و السيئات محفوظة في سجلاتها حتى يأتي يوم البعث، فيحاسب بمقتضاها الإنسان و هو بين يدي مولاه، فإن كان مؤمناً فإن شاء الله عذبه بسيئاته و إن شاء غفر له، و أما إن كان كافراً فمصيره الخلود في النار.

9- وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فـ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (سورة إبراهيم:الآية 27).

ففي السلسلة الصحيحة حديث طويل عن البرزخ جاء فيه عن العبد المؤمن في قبره (...تعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: و ما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به و صدقت، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة و ألبسوه من الجنة و افتحوا له بابا إلى الجنة...)، و عن العبد الكافر في قبره (...فتعاد روحه في جسده، و يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي فأفرشوه من النار و افتحوا له بابا إلى النار... ).

10- منهـم الملائكة الموكلون بأهل الجنة (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (سورة الرعد:من الآية 23 والآية 24).

كلف الله ملائكة للترحيب في الجنة بالمؤمنين الذين فازوا برضوان الله، و ملائكة لتعذيب الكافرين في النار، و كلاهما حق، فقد أخبر الله عباده على ألسنة رسله أنه خلق السماوات و الأرض بالحق، و أن مقتضى هذا الحق أن الحياة الدنيا ليست خاتمة المطاف، لأنه لا يتم فيها الجزاء على الحسنات و لا السيئات، إنما يتم ذلك عند البعث في اليوم الآخر، فيحق الحق بدخول المحسنين الجنة و دخول المسيئين النار، فقيام الملائكة بالترحيب بالمؤمنين و تعذيب الكافرين هو تمام هذا الحق الذي خلقت به السموات و الأرض:

(جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) (الرعد:23،24).

(وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) (الزمر:73).

(يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراُ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (التحريم:6).

(وقال الذين فى النار لخزنة جهنهم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب * قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) (غافر: 49،50).

== فصل ==

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البيت المعمور في السماء (يدخله – وفي رواية يصلي فيه- كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم).

و هو جزء من حديث صحيح متفق عليه، و في هذا أعظم دليل على كثرة الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم، و هذا ليس الدليل الوحيد على كثرتهم؛ فقد ورد ذكر الملائكة الذين في كل سماء، و الملائكة الذين ينزلون في السحاب، و الملائكة الذين يكتبون الناس يوم الجمعة، و خزنة الجنة و النار، والملائكة الذين يتعاقبون... إلخ.

== فصل ==

إن من رحمة الله بالإنسان أن لم يكلفه ما كلف الملائكة من التسبيح الدائب ليل نهار! فإنه سبحانه و قد خلق للإنسان جسداً يشتهي و عقلاً ينشغل بالتفكير، جعل العبادة المفروضة عليه من نوع آخر غير عبادة الملائكة، فإلى جانب التسبيح و الصلاة و شعائر التعبد التي يشترك فيها الإنسان مع الملائكة، فإن الله من رحمته بعباده من بني الإنسان جعل حركة أجسامهم و عقولهم عبادة إذا توجهوا بها إلى الله، و التزموا في شأنها بما أنزل الله...

و هكذا أصبح سعي الإنسان وراء الرزق عبادة، و عمارته للأرض عبادة، و طعامه و شرابه عبادة، و زواجه و نسله عبادة، و نومه و قيامه عبادة، إذا ابتغى في ذلك كله مرضاة الله، و عمل فيها وفق أوامر الله...

و كذلك يتم التناسق في خلق الله بين طاقة المخلوق و ما كلفه الله من ألوان العبادة.. و كلهم عباد لله عابدون! فالقدرة هي مناط التكليف.

نعم! ذلك من رحمة الله بالإنسان.

و وجود الملائكة المسبحين ليل نهار يستحثه على مزيد من العبادة و مزيد من التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، و كلما حاول ذلك زادت شفافية روحه و صار أقرب إلى الملائكة الأطهار.

ويزيد أنس الإنسان بالملائكة حين يعلم أنهم قريبون منه وأن بعضهم يسير معه حيث سار وبعضهم يتنزلون عليه بالسكينة والطمأنينة كلما أقبل على الله وتوجه إليه.

(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) (فصلت: 30،31).

و كيف يكون شعور المؤمن حين يعلم أنه حين يقرأ الفاتحة فى الصلاة ترد الملائكة تقول: آمين؟! أفلا يحفزه ذلك إلى الإحسان في أداء الصلاة حتى تكون جديرة بهذه المشاركة النورانية من جانب الملائكة؟

و حين يعلم أن كل عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله، و كل عمل طيب يعمله، وكله لفظة خيرة يتلفظ بها تحملها الملائكة من توها إلى الله فى عليائه، تقول له: وهو المطلع على كل شىء - إن عبدك فلاناً يتقرب إليك، إن عبدك فلاناً يذكرك ويثنى عليك، إن عبدك فلاناً يحمد ويشكرك، إن عبدك فلاناً قد أحسن إلى عبد من عبادك، إن عبدك فلاناً قد دعاه الشيطان إلى الشر فلم يجبه. حين يعلم ذلك كله ألا يحب أن تكثر الملائكة من ذكره عند الله بالخير، فيكثر من صالح الأعمال؟

*****

و الله أعلم

سبحانك اللهم و بحمدك.. نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك و نتوب إليك

يتبع إن شاء الله الدرس القادم خاتمة دروس الإيمان بالملائكة.

ليست هناك تعليقات: